تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٤
كانوا يتخذون البغايا وانما قيل الأولى لأنه يقال لكل متقدم ومتقدمة أول وأولى وتأويله أنهم تقدموا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم) فهم أولى وهم أول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) ويجوز أن يكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام، فكان المعنى: ولا يجد كن بالتبرج جاهلية في الإسلام يتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر. ويعضده ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال لأبي الدرداء: (إن فيك جاهلية)، قال: جاهلية كفر أم إسلام؟ فقال: (بل جاهلية كفر). انتهى. والمعروف في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام إنما قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، لأبي ذر، رضي الله عنه. وقال ابن عطية: والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي خصها، فأمرن بالنقلة من سيرتهن فيها، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر، ولأنهم كانوا إلا غيرة عندهم، وكان أمر النساء دون حجبة، وجعلها أولى بالإضافة إلى حالة الإسلام، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى. وقد مر إطلاق اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل الإسلام، فقالوا: جاهلي في الشعراء. وقال ابن عباس في البخاري: سمعت، أي في الجاهلية إلى غير هذا. انتهى.
* (وقرن فى) *: أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة، إذ هما عمود الطاعة البدنية والمالية، ثم جاء بهما في عموم الأمر بالطاعة، ثم بين أن نهيهن وأمرهن ووعظهن إنما هو لإذهاب المأثم عنهن وتصونهن بالتقوى. واستعار الرجس للذنوب، والطهر للتقوى، لأن عرض المقترف للمعاصي يتدنس بها ويتلوث، كما يتلوث بدنه بالأرجاس. وأما الطاعات، فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر، وفي هذه الاستعارة تنفير عما نهى الله عنه، وترغيب فيما أمر به. والرجس يقع على الإثم، وعلى العذاب، وعلى النجاسة، وعلى النقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت. وقال الحسن: الرجس هنا: الشرك. وقال السدي: الإثم. وقال ابن زيد: الشيطان. وقال الزجاج: الفسق؛ وقيل: المعاصي كلها، ذكره الماوردي. وقيل: الشك؛ وقيل: البخل والطبع؛ وقيل: الأهواء والبدع. وانتصب أهل على النداء، أو على المدح، أو على الاختصاص، وهو قليل في المخاطب، ومنه.
بل الله نرجو الفضل وأكثر ما يكون في المتكلم، وقوله:
* نحن بنات طارق * نمشي على النمارق * ولما كان أهل البيت يشملهن وآباءهن، غلب المذكر على المؤنث في الخطاب في: * (عنكم) *، * (ويطهركم) *. وقول عكرمة، ومقاتل، وابن السائب: أن أهل البيت في هذه الآية مختص بزوجاته عليه السلام ليس بجيد، إذ لو كان كما قالوا، لكان التركيب: عنكن ويطهركن، وإن كان هذا القول مرويا عن ابن عباس، فلعله لا يصح عنه. وقال أبو سعيد الخدري: هو خاص برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين. وروي نحوه عن أنس وعائشة وأم سلمة. وقال الضحاك: هم أهله وأزواجه. وقال زيد بن أرقم، والثعلبي: بنو هاشم الذين يحرمون الصدقة آل عباس، وآل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، ويظهر أنهم زوجاته وأهله، فلا تخرج الزوجات عن أهل البيت، بل يظهر أنهن أحق بهذا الاسم لملازمتهن بيته، عليه الصلاة والسلام. وقال ابن عطية: والذي يظهر أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتة، فأهل البيت: زوجاته وبنته وبنوها وزوجها. وقال الزمخشري: وفي هذا دليل على أن نساء النبي من أهل بيته. ثم ذكر لهن أن بيوتهن مهابط
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»