تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٠
التحية والسلام فقال: التحية يكون ذلك دعاء، والسلام مخصوص، ومنه: * (ويلقون فيها تحية وسلاما) *. والأجر الكريم: الجنة، * (شاهدا) * على من بعثت إليهم، وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي مفعولا قولك عند الله، وشاهدا بالتبليغ إليهم، وبتبليغ الأنبياء قولك. وانتصب * (شاهدا) * على أنه حال مقدرة، إذا كان قولك عند الله وقت الإرسال لم يكن شاهدا عليهم، وإنما يكون شاهدا عند تحمل الشهادة وعند أدائها، أو لأنه أقرب زمان البعثة، وإيمان من آمن وتكذيب من كذب كان ذلك وقع في زمان واحد.
* (وداعيا إلى الله) *، قال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله. وقال ابن عيسى: إلى الطاعة. * (بإذنه) *: أي بتسهيله وتيسيره، ولا يراد به حقيقة الإذن، لأنه قد فهم في قوله: إنا أرسلناك داعيا أنه مأذون له في الدعاء. ولما كان دعاء المشرك إلى التوحيد صعبا جدا، قيل: بإذنه، أي بتسهيله تعالى. و * (سراجا * منيرا) *: جلي من ظلمات الشرك، واهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير. ويهتدى به إذا مد الله بنور نبوته نور البصائر، كما يمد بنور السراج نور الأبصار. ووصفه بالإنارة، لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته. وقال الزجاج: هو معطوف على * (شاهدا) *، أي وذا سراج منير، أي كتاب نير. وقال الفراء: إن شئت كان نصبا على معنى: وتاليا سراجا منيرا. وقال الزمخشري؛ ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف * (أرسلناك) *. انتهى. ولا يتضح هذا الذي قاله، إذ يصير المعنى: أرسلنا ذا سراج منير، وهو القرآن. ولا يوصف بالإرسال القرآن، إنما يوصف بالإنزال. وكذلك أيضا إذا كان التقدير: وتاليا، يصير المعنى: أرسلنا تاليا سراجا منيرا، ففيه عطف الصفة التي للذات على الذات، كقولك: رأيت زيدا والعالم. إذا كان العالم صفة لزيد، والعطف مشعر بالتغاير، لا يحسن مثل هذا التخريج في كلام الله، وثم حمل على ما تقتضيه الفصاحة والبلاغة.
ولما ذكر تعالى أنه أرسل نبيه * (شاهدا) * إلى آخره، تضمن ذلك الأمر بتلك الأحوال، فكأنه قال؛ فاشهد وبشر وأنذر وادع وانه، ثم قال؛ * (وبشر المؤمنين) *؛ فهذا متصل بما قبله من جهة المعنى، وإن كان يظهر أنه منقطع من الذي قبله. والفضل الكبير الثواب من قولهم: للعطايا فضول وفواضل، أو المزيد على الثواب. وإذا ذكر المتفضل به وكبره، فما ظنك بالثواب؟ أو ما فضلوا به على سائر الأمم، وذلك من جهته تعالى، أو الجنة وما أوتوا فيها، ويفسره: * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات فى روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) *. * (ولا تطع الكافرين والمنافقين) *: نهى له عليه السلام عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب، وفي أشياء ينتصحون بها وهي غش. * (ودع أذاهم) *: الظاهر إضافته إلى المفعول. لما نهى عن طاعتهم، أمر بتركه إذا يتهم وعقوبتهم، ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف. * (وتوكل على الله) *، فإنه ينصرك ويخذلهم. ويجوز أن يكون مصدرا مضافا للفاعل، أي ودع إذايتهم إياك، أي مجازاة الإذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر، وهذا تأويل مجاهد.
* (وكيلا ياأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن) *.
لما ذكر تعالى قصة زيد وزينب وتطليقه إياها، وكانت مدخولا بها، واعتدت، وخطبها الرسول، عليه السلام، بعد انقضاء عدتها، بين حال من طلقت قبل المسيس، وأنها لا عدة عليها.
ومعنى * (نكحتم) *: عقدتم عليهن. وسمى العقد نكاحا لأنه سبب إليه، كما سميت الخمر إثما لأنها سبب له. قالوا: ولفظ النكاح في كتاب الله لم يرد إلا في العقد، وهو من
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»