إلى أن النبوة مكتسبة لا تنقطع، أو إلى أن الولي أفضل من النبي، فهو زنديق يجب قتله. وقد ادعى النبوة ناس، فقتلهم المسلمون على ذلك. وكان في عصرنا شخص من الفقراء ادعى النبوة بمدينة مالقة، فقتله السلطان بن الأحمر، ملك الأندلس بغرناطة، وصلب إلى أن تناثر لحمه.
* (النبيين وكان الله بكل شىء عليما) *: هذا عام، والقصد هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح لرسوله، وبما قدره في الأمر كله، ثم أمر المؤمنين بذكره بالثناء عليه وتحميده وتقديسه، وتنزيهه عما لا يليق به. والذكر الكثير، قال ابن عباس: أن لا ينساه أبدا، أو التسبيح مندرج في الذكر، لكنه خص بأنه ينزهه تعالى عما لا يليق به، فهو أفضل، أو من أفضل الأذكار. وعن قتادة: قولوا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعن مجاهد: هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب. و * (بكرة وأصيلا) *: يقتضيهما اذكروا وسبحوا، والنصب بالثاني على طريق الإعمال، والوقتان كناية عن جميع الزمان، ذكر الطرفين إشعار بالاستغراق. وقال ابن عباس: أي صلوا صلاة الفجر والعشاء. وقال الأخفش: ما بين العصر إلى العشاء. وقال قتادة: الإشارة بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر؛ ويجوز أن يكون الأمر بالذكر وإكثارة تكثير الطاعات والإقبال على الطاعات، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر. ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا، وهي الصلاة في جميع أوقاتها، تفضل الصلاة غيرها، أو صلاة الفجر والعشاء، لأن أداءهما أشق.
ولما أمرهم بالذكر والتسبيح، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته. قال الحسن: * (يصلى عليكم) *: يرحمكم. وقال ابن جبير: يغفر لكم. وقال أبو العالية يثني عليكم. وقيل: يترأف بكم. وصلاة الملائكة الاستغفار، كقوله تعالى: * (ويستغفرون للذين ءامنوا) *. وقال مقاتل: الدعاء، والمعنى: هو الذي يترحم عليكم، حيث يدعوكم إلى الخير، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة. وقال ابن زيد: من الضلالة إلى الهدى. وقال مقاتل: من الكفر إلى الإيمان. وقيل: من النار إلى الجنة، حكاه الماوردي. وقيل: من القبور إلى البعث. * (وملئكته) *: معطوف على الضمير المرفوع المستكن في * (يصلى) *، فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد، وصلاة الله غير صلاة الملائكة، فكيف اشتركا في قدر مشترك؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم. فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك. وقال الزمخشري: جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة، ونظيره قولهم: حياك الله: أي أحياك وأبقاك، وحييتك: أي دعوت لك بأن يحييك الله، لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة؛ وكذلك عمرك الله وعمرتك، وسقاك الله وسقيتك، وعليه قوله؛ * (إن الله وملائكته يصلون على النبى ياأيها * أيها * الذين ءامنوا صلوا عليه) *: أي ادعوا له بأن يصلى عليه. * (وكان بالمؤمنين رحيما) *: دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة. انتهى. وما ذكره من قوله، كأنهم فاعلون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز، وما ذكرناه من أن الصلاتين اشتركتا في قدر مشترك أولى.
* (تحيتهم يوم يلقونه) *: أي يوم القيامة. * (سلام) *: أي تحية الله لهم. يقول للمؤمنين: السلام عليكم، مرحبا بعبادي الذين أرضوني باتباع أمري، قاله الرقاشي. وقيل: يحييهم الملائكة بالسلامة من كل مكروه. وقال البراء بن عازب: معناه أن ملك الموت لا يقبض روح المؤمن حتى يسلم عليه. وقال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال: ربك يقرؤك السلام، قيل: فعلى هذا الهاء في قوله: * (يلقونه) * كناية عن غير مذكور، وقيل: سلام الملائكة عند خروجهم من القبور. وقال قتادة: يوم دخولهم الجنة يحيي بعضهم بعضا بالسلام، أي سلمنا وسلمت من كل مخوف. وقيل: تحييهم الملائكة يومئذ. وقيل: هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم، وبشارتهم بالجنة. والتحية مصدر في هذه الأقوال أضيف إلى المفعول، إلا في قول من قال إنه مصدر مضاف للمحيي والمحيا، لا على جهة العمل، لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلا مفعولا، ولكنه كقوله: * (وكنا لحكمهم شاهدين) *: أي للحكم الذي جرى بينهم، وليبعث إليهم، فكذلك هذه التحية الجارية بينهم هي سلام. وفرق المبرد بين