تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٢٥
الوحي، وأمرهن أن لا ينسين ما يتلى فيها من الكتاب الجامع بين أمرين: وهو آيات بينات تدل على صدق النبوة، لأنه معجز بنظمه، وهو حكمة وعلوم وشرائع. * (إن الله كان لطيفا خبيرا) *، حين علم ما ينفعكم ويصلحكم في دينكم فأنزله عليكم، أو علم من يصلح لنبوته ومن يصلح لأن تكونوا أهل بيته، أو حيث جعل الكلام جامعا بين الغرضين. انتهى. واتصال * (واذكرن) * بما قبله يدل على أنهن من البيت، ومن لم يدخلهن قال: هي ابتداء مخاطبة. * (واذكرن) *، إما بمعنى احفظن وتذكرنه، وإما اذكرنه لغيركن واروينه حتى ينقل. و * (من آيات الله) *: هو القرآن، * (والحكمة) *: هي ما كان من حديثه وسنته، عليه الصلاة والسلام، غير القرآن، ويحتمل أن يكون وصفا للآيات. وفي قوله: * (لطيفا) *، تليين، وفي * (خبيرا) *، تحذير ما. وقرأ زيد بن علي: ما تتلى بتاء التأنيث، والجمهور: بالياء.
وروي أن نساءه عليه الصلاة والسلام، قلن: يا رسول الله، ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكرنا؛ وقيل: السائلة أم سلمة. وقيل: لما نزل في نسائه ما نزل، قال نساء المسلمين: فما نزل فينا شيء، فنزلت: * (إن المسلمين) * الآية، وهذه الأوصاف العشرة تقدم شرحها، فبدأ أولا بالانقياد الظاهر، ثم بالتصديق، ثم بالأوصاف التي بعدهما تندرج في الإسلام وهو الانقياد، وفي الإيمان وهو التصديق، ثم ختمها بخلة المراقبة وهي ذكر الله كثيرا. ولم يذكر لهذه الأوصاف متعلقا إلا في قوله: * (والحافظين فروجهم والذكرين الله كثيرا) *، نص على متعلق الحفظ لكونه منزلة العقلاء ومركب الشهوة الغالبة، وعلى متعلق الذكر بالاسم الأعظم، وهو لفظ الله، إذ هو العلم المحتوي على جميع أوصافه، ليتذكر المسلم من تذكره، وهو الله تعالى، وحذف من الحافظات والذاكرات المفعول لدلالة ما تقدم، والتقدير: والحافظاتها والذاكراته. * (أعد الله لهم) *: غلب الذكور، فجمع الإناث معهم وأدرجهم في الضمير، ولم يأت التركيب لهم ولهن.
* (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله) *.
قال الجمهور، وابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وغيرهم: خطب الرسول لزيد زينب بنت جحش، فأبت وقالت: لست بناكحة، فقال: (بلى فأنكحيه فقد رضيته لك)، فأبت، فنزلت. وذكر أنها وأخاها عبد الله كرها ذلك، فلما نزلت الآية رضيا. وقال ابن زيد: وهبت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أول امرأة وهبت للنبي صلى الله عليه وسلم) نفسها، فقال: (قد قبلتك وزوجتك زيد بن حارثة)، فسخطت هي وأخوها، قالا: إنما أردناه فزوجنا عبده، فنزلت، والسبب الأول أصح. ومناسبة هذه الآية أنه لما ذكر تلك الأوصاف السابقة من الإسلام فما بعده، عقب ذلك بما صدر من بعض المسلمين، إذ أشار الرسول بأمر وقع منهم الإباء له، فأنكر عليهم، إذ طاعته، عليه السلام، من طاعة الله، وأمره من أمره.
و * (الخيرة) *: مصدر من تخير على غير قياس، كالطيرة من تطير. وقرئ: بسكون الياء، ذكره عيسى بن سليمان. وقرأ الحرميان، والعربيان، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، وعيسى: أن تكون، بتاء التأنيث؛ والكوفيون، والحسن، والأعمش، والسلمي: بالياء. ولما كان قوله: * (لمؤمن ولا مؤمنة) *
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»