يدعي أن له قلبين، ويقال له: ذو القلبين، وكان يقول: أنا أذكى من محمد وأفهم؛ فلما بلغته هزيمة بدر طاش لبه وحدث أبا سفيان بن حرب بحديث كالمختل، فنزلت. وقال الحسن: هم جماعة، يقول الواحد منهم: نفس تأمرني ونفس تنهاني. وقيل: إن بعض المنافقين قال إن محمدا له قلبان، لأنه ربما كان في شيء، فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه، فنفى الله ذلك عنه وعن كل أحد. قيل: وجه نظم هذه الآية بما قبلها، أنه تعالى لما أمر بالتقوى، كان من حقها أن لا يكون في القلب تقوى غير الله، فإن المرء ليس له قلبان يتقي بأحدهما الله وبالآخر غيره، وهو لا يتقي غيره إلا بصرف القلب عن جهة الله إلى غيره، ولا يليق ذلك بمن يتقي الله حق تقاته. انتهى، ملخصا. ولم يجعل الله للإنسان قلبين، لأنه إما أن يفعل أحدهما مثل ما يفعل الآخر من أفعال القلوب، فلا حاجة إلى أحدهما، أو غيره، فيؤدي إلى اتصاف الإنسان بكونه مريدا كارها عالما ظانا شاكا موقنا في حال واحدة. وذكر الجوف، وإن كان المعلوم أن القلب لا يكون إلا بالجوف، زيادة للتصوير والتجلي للمدلول عليه، كما قال تعالى: * (ولاكن تعمى القلوب التى فى الصدور) *. فإذا سمع بذلك، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين يسرع إلى إنكار ذلك.
* * (وما جعل أزواجكم) *: لم يجعل تعالى الزوجة المظاهر منها أما، لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوك، وهما حالتان متنافيتان. وقرأ قالون وقنبل: * (اللائى) * هنا، وفي المجادلة والطلاق: بالهمزة من غير ياء؛ وورش: بياء مختلسة الكسرة؛ والبزي وأبو عمرو: بياء ساكنة بدلا من الهمزة، وهو بدل مسموع لا مقيس، وهي لغة قريش؛ وباقي السبعة: بالهمز وياء بعدها. وقرأ عاصم: * (تظاهرون) * بالتاء للخطاب، وفي المجادلة: بالياء للغيبة، مضارع ظاهر؛ وبشد الظاء والهاء: الحرميان وأبو عمرو؛ وبشد الظاء وألف بعدها: ابن عامر؛ وبتخفيفها والألف: حمزة والكسائي؛ ووافق ابن عامر الآخرين في المجادلة؛ وباقي السبعة فيها بشدها. وقرأ ابن وثاب، فيما نقل ابن عطية: بضم الياء وسكون الظاء وكسر الهاء، مضارع أظهر؛ وفيما حكى أبو بكر الرازي عنه: بتخفيف الظاء، لحذفهم تاء المطاوعة وشد الهاء. وقرأ الحسن: تظهرون، بضم التاء وتخفيف الظاء وشد الهاء، مضارع ظهر، مشدد الهاء. وقرأ هارون، عن أبي عمرو: تظهورن، بفتح التاء والهاء وسكون الظاء، مضارع ظهر، مخفف الهاء، وفي مصحف أبي: تتظهرون، بتاءين. فتلك تسع قراآت، والمعنى: قال لها: أنت علي كظهر أمي. فتلك الأفعال مأخوذة من هذا اللفظ كقوله: لبى المحرم إذا قال لبيك، وأفف إذا قال أف. وعدى الفعل بمن، لأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية، فيتجنبون المظاهر منها، كما يتجنبون المطلقة، والمعنى: أنه تباعد منها بجهة الظهار وغيره، أي من امرأته. لما ضمن معنى التباعد، عدى بمن، وكنوا عن البطن بالظهر إبعادا لما يقارب الفرج، ولكونهم كانوا يقولون: يحرم إتيان المرأة وظهرها للسماء، وأهل المدينة يقولون: يجيء الولد إذ ذاك أحول، فبالغوا في التغليظ في تحريم الزوجة، فشبهها بالظهر، ثم بالغ فجعلها كظهر أمه. وروي أن زيد بن حارثة من كلب سبي صغيرا، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، وجاء أبوه وعمه بفدائه، وذلك قبل بعثة رسول الله، فأعتقه، وكانوا يقولون: زيد بن محمد، فنزلت.
* (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) * الآية: وكانوا في الجاهلية وصدر الإسلام إذا تبنى الرجل ولد غيره صار يرثه. وأدعياء: جمع دعي، فعيل بمعنى مفعول، جاء شاذا، وقياسه فعلى، كجريح وجرحى، وإنما هذا الجمع قياس فعيل المعتل اللام بمعنى فاعل، نحو: تقي وأتقياء. شبهوا أدعياء بتقي، فجمعوه جمعه شذوذا، كما شذوا في جمع أسير وقتيل فقالوا: أسراء وقتلاء، وقد سمع المقيس فيهما فقالوا: أسرى وقتلى. والبنوة تقتضي التأصل في النسب، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية، فلا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل. * (ذالكم) *: أي دعاؤهم أبناء مجرد قول لا حقيقة لمدلوله، إذ لا يواطئ اللفظ الاعتقاد، إذ يعلم حقيقة أنه ليس ابنه. * (والله يقول الحق) *: أي ما يوافق