إنابة وخضوع، وإذا خلصهم من ذلك الضر، أشرك فريق ممن اخلص، وهذا الفريق هم عبدة الأصنام. قال ابن عطية: ويلحق من هذه الألفاظ شيء للمؤمنين، إذ جاءهم فرج بعد شدة، علقوا ذلك بمخلوقين، أو بحذق آرائهم، أو بغير ذلك، ففيه قلة شكر الله، ويسمى مجازا. وقال أبو عبد الله الرازي: يقول: تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني وسبب الصنم الفلاني، بل ينبغي أن لا يعتقد أنه يخلص بسبب فلان إذا كان ظاهرا، فإنه شرك خفي. انتهى. و * (إذا فريق) *: جواب * (إذا أذاقهم) *، الأولى شرطية، والثانية للمفاجأة، وتقدم نظيره، وجاء هنا فريق، لأن قوله: * (وإذا مس الناس) * عام للمؤمن والكافر، فلا يشرك إلا الكافر. وضر هنا مطلق، وفي آخر العنكبوت * (إذا هم يشركون) * لأنه في مخصوصين من المشركين عباد الأصنام، والضر هناك معين، وهو ما يتخوف من ركوب البحر. * (إذا هم) *: أي ركاب البحر عبدة الأصنام، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده. واللام في * (ليكفروا) * لام كي، أو لام الأمر للتهديد، وتقدم نظيره في آخر العنكبوت.
وقرأ الجمهور: * (فتمتعوا فسوف تعلمون) *، بالتاء فيهما. وقرأ أبو العالية: فيتمتعوا، بياء قبل التاء، عطف أيضا على * (ليكفروا) *، أي لتطول أعمارهم على الكفر؛ وعنه وعن عبد الله: فليتمتعوا. وقال هارون في مصحف عبد الله: يمتعوا. * (أم أنزلنا) *، أم: بمعنى بل، والهمزة للإضراب عن الكلام السابق، والهمزة للاستفهام عن الحجة استفهام إنكار وتوبيخ. والسلطان: البرهان، من كتاب أو نحوه. * (فهو يتكلم) *: أي يظهر مذهبهم وينطق بشركهم، والتكلم مجاز لقوله: * (هاذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) *. وهو يتكلم: جواب للاستفهام الذي تضمنه أم، كأنه قال: بل أنزلنا عليهم سلطانا، أي برهانا شاهدا لكم بالشرك، فهو يشهد بصحة ذلك، وإن قدر ذا سلطان، أي ملكا ذا برهان، كان التكلم حقيقة.
* (وإذا أذقنا الناس رحمة) *: أي نعمة، من مطر، أو سعة، أو صحة. * (وإن تصبهم سيئة) *: أي بلاء، من حدث، أو ضيق، أو مرض. * (بما قدمت أيديهم * من) * المعاصي. * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) *، ففي إصابة الرحمة فرحوا وذهلوا عن شكر من أسداها إليهم، وفي إصابة البلاء قنطوا ويئسوا وذهلوا عن الصبر، ونسوا ما أنعم به عليهم قبل إصابة البلاء. و * (إذا هم) * جواب: * (وإن تصبهم) *، يقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية الواقعة جوابا للشرط. وحين ذكر إذاقة الرحمة، لم يذكر سببها، وهو زيادة الإحسان والتفضل. وحين ذكر إصابة السيئة، ذكر سببها، وهو العصيان، ليتحقق بدله. ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره لم ييأس من روح الله، وهو أنه تعالى هو الباسط القابض، فينبغي أن لا يقنط، وأن يتلقى ما يرد من قبل الله بالصبر في البلاء، والشكر في النعماء، وأن يقلع عن المعصية التي أصابته السيئة بسببها، حتى تعود إليه رحمة ربه.
ومناسبة * (فئات ذا القربى) * لما قبله: أنه لما ذكر أنه تعالى هو الباسط القابض، وجعل في ذلك آية للمؤمن، ثم نبه بالإحسان لمن به فاقة واحتياج، لأن من الإيمان الشفقة على خلق الله، فخاطب من بسط له الرزق بأداء حق الله من المال، وصرفه إلى من يقرب منه من حج، وإلى غيره من مسكين وابن سبيل. وقال الحسن: هذا خطاب لكل سامع بصلة الرحم، * (والمساكين وابن السبيل) *. وقيل: للرسول، عليه السلام. وذو القربى: بنو هاشم وبنو المطلب، يعطون حقوقهم من الغنيمة والفيء. وقال الحسن: حق المسكين وابن السبيل من الصدقة المسماة لهما. واحتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. أثبت تعالى لذي القربى حقا، وللمسكين وابن السبيل حقهما.
والسورة مكية، فالظاهر أن الحق ليس الزكاة، وإنما يصير حقا بجهة الإحسان والمواساة. وللاهتمام بذي القربى، قدم على المسكين وابن السبيل، لأن بره صدقة وصلة. * (ذالك) *: أي الإيتاء، * (خير) *: أي يضاعف لهم الأجر في الآخرة، وينمو ما لهم في الدنيا لوجه الله، أي التقرب إلى رضا الله لا يضره. ثم ذكر تعالى من يتصرف في ماله غلى غير الجهة المرضية فقال؛ * (وما ءاتيتم) * أكلة اليربو، ليزيد ويزكو في المال، فلا يزكو عند الله، ولا يبارك فيه لقوله: * (يمحق الله الربواا ويربى الصدقات) *. قال السدي: نزلت في ربا ثقيف، كانوا يعملون بالربا، ويعمله فيهم قريش. وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وطاوس: هذه الآية نزلت