تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٦٥
الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولاكن أكثر) *.
* (من فى * السماوات والارض) *: عام في كونهم تحت ملكه وقهره. وقال الحسن: * (قانتون) *: قائمون بالشهادة على وحدانيته، كما قال الشاعر:
* وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد * وقال ابن عباس: مطيعون، أي في تصريفه، لا يمتنع عنه شيء يريد فعله بهم، من حياة وموت وصحة ومرض، فهي طاعة الإرادة لا طاعة العبادة. وقيل: قائمون يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وإذا حمل القنوت على الإخلاص، كما قال ابن جبير، أ على الإقرار بالعبودية، أو قانتون من ملك ومؤمن، لأن كل عام مخصوص. * (وهو أهون عليه) *: أي والعود أهون عليه، وليست أهون أفعل تفصيل، لأنه تفاوت عند الله في النشأتين: الإبداء والإعادة، فلذلك تأوله ابن عباس والربيع بن خيثم على أنه بمعنى هين، وكذا هو في مصحف عبد الله. والضمير في عليه عائد على الله. وقيل: أهون للتفضيل، وذلك بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في المشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون من البداءة، للاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة؛ وهذا، وإن كان الاثنان عنده تعالى من اليسر في حيز واحد. وقيل: الضمير في عليه عائد على الخلق، أي والعود أهون على الخلق: بمعنى أسرع، لأن البداءة فيها تدرج من طور إلى طور إلى أن يصير إنسانا، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات في الأطوار، إنما يدعوه الله فيخرج، فكأنه قال: وهو أيسر عليه، أي أقصر مدة وأقل انتقالا. وقيل: المعنى وهو أهون على المخلوق، أي يعيد شيئا بعد إنشائه، فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق؟ قال ابن عطية: والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى، ويؤيده قوله تعالى: * (وله المثل الاعلى) *، كما جاء بلفظ فيه استعاذة واستشهاد بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص جانب العظمة، بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به، فكيف ولا تمثال مع شيء؟ انتهى. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم أخرت الصلة في قوله: * (وهو أهون عليه) *، وقدمت في قوله: * (هو على هين) *؟ قلت: هنالك قصد الاختصاص، وهو تجبره، فقيل: وهو على هين، وإن كان مستصعبا عندك، وإن تولد بين هرم وعاقر. وأما هنا لا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. انتهى. ومبنى كلامه على أن تقديم المعمول يؤذن بالاختصاص، وقد تكلمنا معه في ذلك، ولم نسلمه في قوله: * (إياك نعبد) *.
* (وله المثل الاعلى) *، قيل: هو متعلق بما قبله، قاله الزجاج، وهو قوله: * (وهو أهون) *؛ قد ضربه لكم مثلا فيما يسهل أو يصعب. وقيل: بما بعده من قوله: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم) *. وقيل: المثل: الوصف الأرفع الأعلى الذي ليس لغيره مثله، وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما. * (وهو العزيز) *: أي القاهر لكل شيء، الحكيم الذي أفعالى على مقتضى حكمته. وعن مجاهد: المثل الأعلى قوله: * (لا إلاه إلا الله) *، وله الوصف بالوحدانية، ويؤيده قول: * (ضرب لكم) *.
وقال ابن عباس وغيره: بين تعالى أمر الأصنام
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»