فى السماء) *. * (فإذا أصاب به من يشاء) *: أي أرض من يشاء إصابتها، فاجأهم الاستبشار، ولم يتأخر سرورهم. وقال الأخفش: * (من قبله) * تأكيد لقوله: * (من قبل أن ينزل عليهم) *.
وقال ابن عطية: أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار، وذلك أن قوله: * (من قبل أن ينزل عليهم) * يحتمل الفسحة في الزمان، أي من قبل أن ينزل بكثير، كالأيام ونحوه، فجاء قوله: * (من قبل) * بمعنى: أن ذلك متصل بالمطر، فهو تأكيد مقيد. وقال الزمخشري: وبمعنى التوكيد، فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد، فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم، فكان الاستبشار على قدر اهتمامهم بذلك. انتهى. وما ذكره ابن عطية والزمخشري من فائدة التأكيد في قوله: * (من قبله) * غير ظاهر، وإنما هو عند ذكره لمجرد التوكيد، ويفيد رفع المجاز فقط. وقال قطرب: التقدير: وإن كانوا من قبل التنزيل، من قبل المطر. انتهى. وصار من قبل إنزال المطر: من قبل المطر، وهذا تركيب لا يسوغ في كلام فصيح، فضلا عن القرآن. وقيل: التقدير: من قبل تنزيل الغيث: من قبل أن يزرعوا، ودل المطر على الزرع، لأنه يخرج بسبب المطر؛ ودل على ذلك قوله: * (فرأوه مصفرا) *، يعني الزرع. انتهى. وهذا لا يستقيم، لأن * (من قبل أن ينزل عليهم) * متعلق بقوله: * (لمبلسين) *. ولا يمكن من قبل الرزع أن يتعلق بمبلسين، لأن حرفي جر لا يتعلقان بعامل واحد إلا إن كان بواسطة حرف العطف، أو على جهة البدل. وليس التركيب هنا ومن قبله بحرف العطف، ولا يصح فيه البدل، إذا إنزال الغيث ليس هو الزرع، ولا الزرع بعضه. وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف. أما لاشتمال الإنزال على الزرع، بمعنى أن الزرع يكون ناشئا عن الإنزال، فكأن الإنزال مشتمل عليه، وهذا على مذهب من يقول: الأول يشتمل على الثاني. وقال المبرد: الثاني السحاب، ويحتاج أيضا إلى حرف عطف حتى يمكن تعلق الحرفين بمبلسين. وقال علي بن عيسى: من قبل الإرسال. وقال الكرماني: ومن قبل الاستبشار، لأنه قرنه بالإبلاس، ولأنه من عليهم بالاستبشار. انتهى. ويحتاج قوله وقول ابن عيسى إلى حرف العطف، فإن ادعى في قوله من جعل الضمير في من قبله عائد إلى غير إنزال الغيث أن حرف العطف محذوف، أمكن، لكن في حذف حرف العطف خلاف، أينقاس أم لا ينقاس؟ أما حذفه مع الجمل فجائز، وأما وحده فهو الذي فيه الخلاف.
وقرأ الحرميان، وأبو عمرو، وأبو بكر: إلى أثر، بالإفراد؛ وباقي السبعة: بالجمع؛ وسلام: بكسر الهمزة وإسكان الثاء. وقرأ الجحدري، وابن السميفع، وأبو حيوة: تحيي، بالتاء للتأنيث، والضمير عائد على الرحمة. وقال صاحب اللوامح: وإنما أنث الأثر لاتصاله بالرحمة إضافة إليها، فاكتسب التأنيث منها، ومثل ذلك لا يجوز إلا إذا كان المضاف بمعنى المضاف إليه، أو من سببه. وأما إذا كان أجنبيا، فلا يجوز بحال. انتهى. وقرأ زيد بن علي: نحيي، بنون العظمة؛ والجمهور: * (يحى) *، بياء الغيبة، والضمير لله، ويدل عليه قراءة * (ءاثار) * بالجمع، وقيل: يعود على أثر في قراءة من أفرد. وقال ابن جني: * (كيف يحى) * جملة منصوبة الموضع على الحال حملا على المعنى، كأنه قال: محييا، وهذا فيه نظر. * (إن ذالك) *: أي القادر على إحياء الأرض بعد موتها، هو الذي يحيي الناس بعد موتهم. وهذا الإخبار على جهة القياس في البعث، والبعث من الأشياء التي هو قادر عليها تعالى.
* (ولئن أرسلنا ريحا) *: أخبر تعالى عن حال تقلب ابن آدم، أنه بعد الاستبشار بالمطر، بعث الله ريحا، فاصفر بها النبات. لظلوا يكفرون قلقا منهم، والريح التي تصفر النبات صر حرور، وهما مما يصبح به النبات هشيما، والحرور جنب الشمال إذا عصفت. والضمير في * (فرأوه) * عائد على ما يفهم من سياق الكلام، وهو النبات. وقيل: إلى الأثر، لأن الرحمة هي الغيث، وأثرها هو النبات. ومن قرأ: آثار، بالجمع، رجع الضمير إلى آثار الرحمة، وهو النبات، واسم النبات يقع على القليل والكثير، لأنه مصدر سمى به ما ينبت. وقال ابن عيسى: الضمير في * (فرأوه) * عائد على السحاب، لأن السحاب إذا اصفر لم يمطر؛ وقيل: على الريح، وهذان قولان ضعيفان. وقرأ صباح بن حبيش: مصفارا، بألف بعد الفاء. واللام في * (ولئن) * مؤذنة بقسم محذوف وجوابه لظلوا، وهو مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل اتساعا تقديره: ليظلن، ونظيره قوله تعالى: * (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك) *: أي ما