للمفعول؛ وبالفتح، يكون مضافا للفاعل، ويكون المعنى: سيغلبهم المسلمون في بضع سنين، عند انقضاء هذه المدة التي هي أقصى مدلول البضع.
أخذ المسلمون في جهاد الروم، وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يحكي عن أبي الحكم بن برجان أنه استخرج من قوله تعالى: * (ألم * غلبت الروم) * إلى قوله: * (فى بضع سنين) *، افتتاح المسلمين بيت المقدس، معينا زمانه ويومه، وكان إذ ذاك بيت المقدس قد غلبت عليه النصارى، وأن ابن برجان مات قبل الوقت الذي كان عينه للفتح، وأنه بعد موته بزمان افتتحه المسلمون في الوقت الذي عينه أبو الحكم. وكان أبو جعفر يعتقد في أبي الحكم هذا، أنه كان يطلع على أشياء من المغيبات يستخرجها من كتاب الله.
* (لله الامر) *: أي إنفاذ الأحكام وتصريفها على ما يريد. وقرأ الجمهور: * (من قبل ومن بعد) *، بضمهما: أي من قبل غلبة الروم ومن بعدها. ولما كانا مضافين إلى معرفة، وحذفت بنيا على الضم، والكلام على ذلك مذكور في علم النحو. وقرأ أبو السمال، والجحدري، وعون العقيلي: من قبل ومن بعد، بالكسر والتنوين فيهما. قال الزمخشري: على الجر من غير تقدير مضاف إليه واقتطاعه، كأنه قيل: قبلا وبعدا، بمعنى أولا وآخرا. انتهى. وقال ابن عطية: ومن العرب من يقول: من قبل ومن بعد، بالخفض والتنوين. قال الفراء: ويجوز ترك التنوين، فيبقى كما هو في الإضافة، وإن حذف المضاف. انتهى. وأنكر النحاس ما قاله الفراء ورده، وقال الفراء في كتابه: في القرآن أشياء كثيرة من الغلط، منها: أنه زعم أنه يجوز من قبل ومن بعد، وإنما يجوز من قبل ومن بعد على أنهما نكرتان، والمعنى: من متقدم ومن متأخر. وحكى الكسائي عن بعض بني أسد لله: الأمر من قبل ومن بعد الأول مخفوض منون، والثاني مضموم بلا تنوين. والظاهر أن يومئذ ظرف * (يفرح المؤمنون) *، وعلى هذا المعنى فسره المفسرون.
وقيل: * (ويومئذ) * عطف على: * (من قبل ومن بعد) *، كأنه حصر الأزمنة الثلاثة: الماضي والمستقبل والحال، ثم ابتدأ الإخبار بفرح المؤمنين بالنصر. و * (بنصر الله) *: أي الروم على فارس، أو المسلمين على عدوهم، أو في أن صدق ما قال الرسول من أن الروم ستغلب فارس، أو في أن يسلط بعض الظالمين على بعض، حتى تفانوا وتناكصوا، احتمالات. وفي الحديث: (فارس نطحة أو نطحتان، ثم لا فارس بعدها أبدا، والروم ذات القرون، كلما ذهب قرن خلف قرن إلى آخر الأبد).
وقال ابن عباس: يوم بدر كانت هزيمة عبدة الأوثان وعبدة النيران، وقال معناه أبو سعيد الخدري، وقيل: ورد الخبر يوم الحديبية بوفاة كسرى، فسر المسلمون بحرب المشركين، ولموت عدو لهم في الأرض متمكن. وهو * (العزيز) * بانتقامه من أعدائه، * (الرحيم) * لأوليائه. وانتصب * (وعد الله) * على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي تقدمت، وهو قوله: * (سيغلبون) *، وقوله: * (يفرح المؤمنون) *. * (ولاكن أكثر الناس) * الكفار من قريش وغيرهم، * (لا يعلمون) *: نفي عنهم العلم النافع للآخرة، وقد أثبت لهم العلم بأحوال الدنيا. قيل: والمعنى لا يعلمون أن الأمور من عند الله، وأن وعده لا يخلفه، وأن ما يورده بعينه / صلى الله عليه وسلم)، حق. * (يعلمون ظاهرا) *: أي بينا، أي ما أدته إليهم حواسهم، فكأن علومهم إنما هي علوم البهائم. وقال ابن عباس، والحسن، والجمهور: معناه ما فيه الظهور والعلو في الدنيا من اتقان الصناعات والمباني ومظان كسب المال والفلاحات، ونحو هذا. وقالت فرقة: معناه ذاهبا زائلا، أي يعلمون أمور الدنيا التي لا بقاء لها ولا عاقبة. وقال الهذلي:
* وعيرها الواشون أني أحبها * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها * أي: زائل. وقال ابن جبير: * (ظاهرا) *، أي يعلمون من قبل الكهنة مما يسترقه الشياطين. وقال الرماني: كل ما يعلم بأوائل الرؤية فهو الظاهر، وما يعلم بدليل العقل فهو الباطن. وقال الزمخشري: * (يعلمون) * بدل من قول: * (لا يعلمون) *، وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسد مسده، لنعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. وقوله: * (ظاهرا من الحيواة الدنيا) *: يفيد أن للدنيا ظاهرا ا وباطنا، فظاهرها ما