تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٦٤
قرين الطود: الصد، أو الحجر ان أيد هذا. والطود: الجبل. و * (* الدعوة) *: البعث من القبور، و * (دعوة من الارض) * يتعلق بدعاكم، و * (دعوة) *: أي مرة، فلا يحتاج إلى تكرير دعاءكم لسرعة الإجابة. وقيل: * (من الارض) * صفة لدعوة. وقال ابن عطية: ومن عندي هنا لانتهاء الغاية، كما يقول: دعوتك من الجبل إذا كان المدعو في الجبل. انتهى. وكون من لانتهاء الغاية قول مردود عند أصحابنا. وعن نافع ويعقوب: أنهما وقفا على دعوة، وابتد آمن الأرض. * (إذا أنتم تخرجون) * علقا من الأرض بتخرجون، وهذا لا يجوز، لأن فيه الفصل بين الشرط وجوابه، بالوقف على دعوة فيه إعمال ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها، وهو لا يجوز. وقال الزمخشري: وقوله: * (إذا دعاكم) * بمنزلة قوله: * (يريكم) * في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى، كأنه قال: ومن آياته قيام السماوات والأرض، ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة: يا أهل القبور أخرجوا، وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بثم، بيانا لعظيم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله، وهو أن يقول: يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر. انتهى. وقرأ حمزة والكسائي: تخرجون، بفتح التاء وضم الراء؛ وباقي السبعة: بضمها وفتح الراء.
* وبدأ أولا من الآيات بالنشأة الأولى، وهي خلق الإنسان من التراب، ثم كونه بشرا منتشرا، وهو خلق حي من جماد، ثم أتبعه بأن خلق له من نفسه زوجا، وجعل بينهما تواد، وذلك خلق حي من عضو حي. وقال: * (لقوم يتفكرون) *، لأن ذلك لا يدرك إلا بالفكر في تأليف بين شيئين لم يكن بينهما تعارف، ثم أتبعه بما هو مشاهد للعالم كلهم، وهو خلق السماوات والأرض، واختلاف اللغات والألوان، والاختلاف من لوازم الإنسان لا يفارقه. وقال: * (للعالمين) *، لأنها آية مكشوفة للعالم، ثم اتبعه بالمنام والابتغاء، وهما من الأمور المفارقة في بعض الأوقات، بخلاف اختلاف الألسنة والألوان. وقال: * (لقوم يسمعون) *، لأنه لما كان من أفعال العبادة قد يتوهم أنه لا يحتاج إلى مرشد، فنبه على السماع، وجعل البال من كلام المرشد. ولما ذكر عرضيات الأنفس اللازمة والمفارقة، ذكر عرضيأ الآفاق المفارقة من إراءة البرق وإنزال المطر، وقدمها على ما هو من الأرض، وهو الإتيان والإحياء، كما قدم السماوات على الأرض، وقدم البرق على الإنزال، لأنه كالمبشر يجيء بين يدي القادم. والأعراب لا يعلمون البلاد المعشبة، إن لم يكونوا قد رأوا البروق اللائحة من جانب إلى جانب. وقال: * (لقوم يعقلون) *، لأن البرق والإنزال ليس أمرا عاديا فيتوهم أنه طبيعة، إذ يقع ذلك ببلدة دون أخرى، ووقتا دون وقت، وقويا وضعيفا، فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار، فقال: هو آية لمن عقل بأن لم يتفكر تفكرا تاما.
ثم ختم هذه الآيات بقيام السماوات الأرض، وذلك من العوارض اللازمة، فإن كلا من السماء والأرض لا يخرج عن مكانه، فيتعجب من وقوف الأرض وعدم نزولها، ومن علو السماء وثباتها من غير عمد. ثم أتبع ذلك بالنشأة الأخرى، وهي الخروج من الأرض، وذكر تعالى من كل باب أمرين: من الأنفس خلقكم وخلق لكم، ومن الآفاق السماء والأرض، ومن لوازم الإنسان اختلاف الألسنة واختلاف الألوان، ومن خواصه المنام والابتغاء، ومن عوارض الآفاق البرق والمطر، ومن لوازمه قيام السماء وقيام الأرض.
* (وله من فى * السماوات والارض * كل له قانتون * وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الاعلى فى * السماوات والارض * وهو العزيز الحكيم * ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم * مما ملكت أيمانكم * من شركاء * فيما * رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الايات لقوم يعقلون * بل * اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين * فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»