تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٨٢
البصريون يصرحون بامتناع لو زيد قام لأكرمته على الفصيح، ويجيزونه شاذا كقولهم.
لو ذات سوار لطمتني وهو عندهم على فعل مضمر كقوله تعالى * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * فهو من باب الاشتغال انتهى. وخرج ذلك أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي على إضمار كان، والتقدير * (قل لو) * كنتم * (أنتم) * تملكون فظاهر هذا التخريج أنه حذف كنتم برمته وبقي * (أنتم) * توكيدا لذلك الضمير المحذوف مع الفعل، وذهب شيخنا الأستاذ أبو الحسن الصائغ إلى حذف كان فانفصل اسمها الذي كان متصلا بها، والتقدير * (قل لو) * كنتم * (تملكون) * فلما حذف الفعل انفصل المرفوع، وهذا التخريج أحسن لأن حذف كان بعد * (لو) * معهود في لسان العرب، والرحمة هنا الرزق وسائر نعمه على خلقه.
والكلام على * (إذا لأمسكتم) * تقدم نظيره في قوله * (إذا لأذقناك) * و * (خشية) * مفعول من أجله، والظاهر أن * (الإنفاق) * على مشهور مدلوله فيكون على حذف مضاف، أي * (خشية) * عاقبة * (الإنفاق) * وهو النفاد. وقال أبو عبيدة: أنفق وأملق وأعدم وأصرم بمعنى واحد، فيكون المعنى خشية الافتقار. والقتور الممسك البخيل * (* والإنسان) * هنا للجنس.
ولما حكى الله تعالى عن قريش ما حكى من تعنتهم في اقتراحهم وعنادهم للرسول صلى الله عليه وسلم) سلاه تعالى بما جرى لموسى مع فرعون ومع قومه من قولهم * (فقالوا أرنا الله جهرة) * إذ قالت قريش * (أو تأتى بالله) * وقالت * (أو نرى ربنا) * وسكن قلبه ونبه على أن عاقبتهم للدمار والهلاك كما جرى لفرعون إذ أهلكه الله ومن معه. و * (تسع ءايات) * قال ابن عباس وجماعة من الصحابة: هي اليد البيضاء، والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم هذه سبع باتفاق، وأما الثنتان فعن ابن عباس لسانه كان به عقدة فحلها الله، والبحر الذي فلق له. وعنه أيضا البحر والجبل الذي نتق عليهم. وعنه أيضا السنون ونقص من الثمرات وقاله مجاهد والشعبي وعكرمة وقتادة. وقال الحسن: السنون ونقص الثمرات آية واحدة، وعن الحسن ووهب البحر والموت أرسل عليهم. وعن ابن جبير الحجر والبحر. وعن محمد بن كعب: البحر والسنون. وقيل: * (تسع ءايات) * هي من الكتاب، وذلك أن يهوديا قال لصاحبه: تعالى حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر لا تقل إنه نبي فإنه لو سمع كلامك صارت له أربعة أعين، فأتياه وسألاه عن * (تسع ءايات بينات) * فقال: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسخروا، ولا تقذفوا المحصنات، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة يهود أن لا تعتدوا في السبت، قال: فقبلا يده وقالا: نشهد أنك نبي فقال: ما منعكما أن تسلما؟ قالا: إن داود دعا الله أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن أسلمنا تقتلنا اليهود. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وقرأ الجمهور: فسل * (بنى إسراءيل) * وبنو إسرائيل معاصروه، وفسل معمول لقول محذوف أي فقلنا سل، والظاهر أنه خطاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم) أمره أن يسألهم عما أعلمه به من غيب القصة. ثم قال: * (إذ جاءهم) * يريد آباءهم وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم. وقال الزمخشري: سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم، أو سلهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك. ويدل عليه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم). فسأل * (بنى إسراءيل) * على لفظ الماضي بغير همز وهي لغة قريش. وقيل: فسل يا رسول الله المؤمنين من بني إسرائيل وهم عبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات لتزداد يقينا وطمأنينة قلب، لأن الدلالة إذا
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»