تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٧١
ليس إليك) والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجأ ولا منجى إلا إليك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. قال: فهذا قوله * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *.
الرابع قال الزمخشري: معنى المقام المحمود المقام الذي يحمده القائم فيه، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات انتهى. وهذا قول حسن ولذلك نكر * (مقاما محمودا) * فلم يتناول مقاما مخصوصا بل كل مقام محمود صدق عليه إطلاق اللفظ.
الخامس: ما قالت فرقة منها مجاهد وقد روي أيضا عن ابن عباس أن المقام المحمود هو أن يجلسه الله معه على العرش. وذكر الطبري في ذلك حديثا وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال: من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ما زال أهل العلم يحدثون بهذا. قال ابن عطية: يعني من أنكر جوازه على تأويله. وقال أبو عمرو ومجاهد: إن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا والثاني في تأويل * (إلى * بها * ناظرة) * قال: تنتظر الثواب ليس من النظر، وقد يؤول قوله معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله * (إن الذين عند ربك) * وقوله * (ابن لى عندك بيتا) * و * (إن الله * لمع المحسنين) * كل ذلك كناية عن المكانة لا عن المكان.
وقال الواحدي: هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل موحش فظيع لا يصح مثله عن ابن عباس، ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه.
الأول: أن البعث ضد الإجلاس بعثت التارك وبعث الله الميت أقامه من قبره، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد.
الثاني: لو كان جالسا تعالى على العرش لكان محدودا متناهيا فكان يكون محدثا.
الثالث: أنه قال * (مقاما) * ولم يقل مقعدا * (محمودا) *، والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
الرابع: أن الحمقى والجهال يقولون إن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية فلا مزية له بإجلاسه معه.
الخامس: أنه إذا قيل بعث السلطان فلانا لا يفهم منه أجلسه مع نفسه انتهى. وفيه بعض تلخيص.
ولما أمره تعالى بإقامة الصلاة والتهجد ووعده بعثه * (مقاما محمودا) * وذلك في الآخرة أمره بأن يدعوه بما يشمل أموره الدنيوية والأخروية، فقال * (وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق) * والظاهر أنه عام في جميع موارده ومصادره دنيوية وأخروية، والصدق هنا لفظ يقتضي رفع المذام واستيعاب المدح كما تقول: رجل صدق إذ هو مقابل رجل سوء. وقال ابن عباس والحسن وقتادة: هو إدخال خاص وهو في المدينة، وإخراج خاص وهو من مكة. فيكون المقدم في الذكر هو المؤخر في الوقوع، ومكان الواو هو الأهم فبدىء به. وقال مجاهد وأبو صالح: ما معناه إدخاله فيما حمله من أعباء النبوة وأداء الشرع وإخراجه منه مؤديا لما كلفه من غير تفريط. وقال الزمخشري: أدخلني القبر * (مدخل صدق) * إدخالا مرضيا على طهارة وطيب من السيئات، وأخرجني منه عند البعث إخراجا مرضيا ملقى بالكرامة آمنا من السخط، يدل عليه ذكره على ذكر البعث. وقيل: إدخاله مكة ظاهرا عليها بالفتح، وإخراجه منها آمنا من المشركين. وقال محمد بن المنكدر: إدخاله الغار وإخراجه منه سالما. وقيل: الإخراج من المدينة والإدخال مكة بالفتح. وقيل: الإدخال في الصلاة والإخراج في الجنة والإخراج من مكة. وقيل: الإدخال فيما أمر به والإخراج مما نهاه عنه. وقيل: * (أدخلنى) * في بحار دلائل التوحيد والتنزيه، * (وأخرجنى) * من الاشتغال بالدليل إلى معرفة المدلول والتأمل في آثار محدثاته إلى الاستغراق في معرفة الأحد الفرد. وقال أبو سهل: حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون: * (ليخرجن الاعز منها الاذل) * يعني إدخال عز وإخراج نصر إلى مكة، والأحسن في هذه الأقوال أن تكون على سبيل التمثيل لا التعيين، ويكون اللفظ كما ذكرناه يتناول جميع الموارد والمصادر.
وقرأ الجمهور: * (مدخل) * و * (مخرج) * بضم ميمهما وهو جار قياسا على أفعل مصدر، نحو أكرمته
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»