القمر أعظم من شق الأرض ونبع الماء من بين أصابعه أعظم من نبع الماء من الحجر. وقرأ ابن كثير وابن عامر قال * (سبحان ربى) * على الخبر تعجب عليه الصلاة والسلام من اقتراحاتهم عليه، ونزه ربه عما جوزوا عليه من الإتيان والانتقال وذلك في حق الله مستحيل * (هل كنت إلا بشرا) * مثلهم * (رسولا) *، والرسل لا تأتي إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات وليس أمرها إليهم إنما ذلك إلى الله.
* (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا * قل لو كان فى الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا * قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا * ومن يهد الله فهو * المهتدى ومن يضلل * فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم) *.
الظاهر أن قوله: * (وما منع الناس) * إخبار من الله تعالى عن السبب الضعيف الذي منعهم من الإيمان، إذ ظهر لهم المعجز وهو استبعاد أن يبعث الله رسولا إلى الخلق واحدا منهم ولم يكن ملكا، وبعد أن ظهر المعجز فيجب الإقرار والاعتراف برسالته فقولهم: لا بد أن يكون من الملائكة تحكم فاسد، ويظهر من كلام ابن عطية أن قوله * (وما منع الناس) * هو من قول الرسول صلى الله عليه وسلم) قال هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبي عليه الصلاة والسلام كأنه يقول متعجبا منهم ما شاء الله كان * (ما منعك * الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا) * هذه العلة النزرة والاستبعاد الذي لا يسند إلى حجة، وبعثة البشر رسلا غير بدع ولا غريب فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما لو كان في الأرض ملائكة يسكنونها مطمئنين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طبائعهم من رؤيته ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم، وإنما الله أجرى أحوالهم على معتادها انتهى.
و * (أن يؤمنوا) * في موضع نصب و * (أن قالوا) *: في موضع رفع، و * (إذ) * ظرف العامل فيه منع الناس كفار قريش القائلون تلك المقالات السابقة و * (الهدى) * هو القرآن ومن جاء به، وليس المراد مجرد القول بل قولهم الناشئ عن اعتقاد والهمزة في * (أبعث) * للإنكار و * (رسولا) * ظاهره أن نعت، ويجوز أن يكون * (رسولا) * مفعول بعث، و * (بشرا) * حال متقدمة عليه أي * (أبعث الله * رسولا) * في حال كونه * (بشرا) *، وكذلك يجوز في قوله * (ملكا رسولا) * أي * (لنزلنا عليهم من السماء) * * (رسولا) * في حال كونه * (ملكا) *. وقوله * (يمشون) * يتصرفون فيها بالمشي وليس لهم صعود إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلمون ما يجب علمه، بل هم مقيمون في الأرض يلزمهم ما يلزم المكلفين من عبادات مخصوصة وأحكام لا يدرك تفصيلها بالعقل، * (لنزلنا عليهم) * من جنسهم من يعلمهم ذلك ويلقيه إليهم.
ولما دعاهم صلى الله عليه وسلم) إلى الإيمان وتحدى على صدق نبوته بالمعجز الموافق لداعوه، أمره تعالى أن يعلمهم بأنه تعالى هو الشهيد بينه وبينهم على تبليغه وما قام به من أعباء الرسالة وعدم قبولهم وكفرهم، وما اقترحوا عليه من الآيات على سبيل العناد، وأردف ذلك بما فيه تهديد وهو قوله * (إنه كان بعباده خبيرا) * بخفيات أسرارهم * (بصيرا) * مطلقا على ما يظهر من أفعالهم وأقوالهم. والظاهر أن قوله: * (ومن يهد الله) * إخبار من الله تعالى وليس مندرجا تحت * (قل) * لقوله * (ونحشرهم) * ويحتمل أن يكون مندرجا لمجيء * (ومن) * بالواو، ويكون * (ونحشرهم) * إخبارا من الله تعالى. وعلى القول الأول يكون التفاتا إذ خرج من الغيبة للتكلم، ولما تقدم دعوة الرسول إلى الإيمان وتحدى بالمعجز الذي آتاه الله، ولجوا في كفرهم وعنادهم ولم يجد فيهم ما جاء به من الهدى أخبر بأن ذلك كله راجع إلى مشيئته تعالى وأنه هو الهادي وهو المفضل، فسلاه تعالى بذلك وأخبر تعالى على سبيل التهديد لهم والوعيد الصدق لحالهم وقت حشرهم يوم القيامة.
وقال الزمخشري: * (ومن يهد الله) * ومن يوفقه ويلطف به * (فهو المهتدى) * لأنه لا يلطف إلا بمن عرف أن اللطف ينفع فيه