تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٨٥
والزمخشري. وقال ابن عطية وهو مذهب سيبويه. وقال الفراء: هو منصوب بإرسلناك أي * (ما * أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا * وقرءانا) * كما تقول رحمة لأن القرآن رحمة وهذا إعراب متكلف وأكثر تكلفا منه قول ابن عطية، ويصح أن يكون معطوفا على الكاف في * (أرسلناك) * من حيث كان إيال هذا وإنزال هذا المعنى واحد.
وقرأ أبي وعبد الله * (فرقناه) * عليك بزيادة عليك و * (لتقرأه) * متعلق بفرقناه، والظاهر تعلق على مكث بقوله * (لتقرأه) * ولا يبالي بكون الفعل يتعلق به صرفا جر من جنس واحد لأنه اختلف معنى الحرفين الأول في موضع المفعول به، والثاني في موضع الحال أي متمهلا مترسلا.
قال ابن عباس ومجاهد وابن جريج: * (على مكث) * على ترسل في التلاوة. وقيل: * (على مكث) * أي تطاول في المدة شيئا بعد شيء. وقال الحوفي: * (على مكث) * بدل من * (على الناس) * وهذا لا يصح لأن قوله * (على مكث) * هو من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم) وهو القارئ، أو صفات المقروء في المعنى وليس من صفات الناس فيكون بدلا منهم. وقيل يتعلق * (على مكث) * بقوله * (فرقناه) * ويقال مكث بضم الميم وفتحها وكسرها. وقال ابن عطية: وأجمع القراء على ضم الميم من * (مكث) *. وقال الحوفي: والمكث بالضم والفتح لغتان، وقد قرىء بهما وفيه لغة أخرى كسر الميم.
* (ونزلناه تنزيلا) * على حسب الحوادث من الأقوال والأفعال. * (قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا) * يتضمن الإعراض عنهم والاحتقار لهم والازدراء بهم وعدم الأكثرات بهم وبإيمانهم وبامتناعهم منه، وأنهم لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك، فإن خيرا منهم وأفضل هم العلماء الذي قرؤوا الكتاب وعلموا ما الوحي وما الشرائع، قد آمنوا به وصدقوه وثبت عندهم أنه النبي العربي الموعود في كتبهم، فإذا تلي عليهم خروا * (سجدا) * وسبحوا الله تعظيما لوعده ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم) وإنزال القرآن عليه، وهو المراد بالوعد في قوله * (إن كان وعد ربنا لمفعولا) *.
و * (إن الذين أوتوا العلم من قبله) * يجوز أن يكون تعليلا لقوله * (به أو لا تؤمنوا إن) * أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم، وأن يكون تعليلا لقل على سبيل التسلية كأنه قيل * (قل) * عن إيمان الجاهلية بإيمان العلماء انتهى من كلام الزمخشري، وفيه بعض تلخيص. وقال غيره: * (قل ءامنوا) * الآية تحقير للكفار، وفي ضمنه ضرب من التوعد والمعنى أنكم لستم بحجة فسواء علينا أآمنتم أم كفرتم وإنما ضرر ذلك على أنفسكم، وإنما الحجة أهل العلم انتهى. والظاهر أن الضمير في * (قل ءامنوا به) * عائد على القرآن، و * (الذين أوتوا العلم) * هم مؤمنو أهل الكتاب. وقيل: ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل ومن جري مجراهما، فإنهما كانا ممن أوتي العلم واطلعا على التوراة والإنجيل ووجدا فيهما صفته عليه الصلاة والسلام. وقيل: هم جماعة من أهل الكتاب جلسوا وهم على دينهم، فتذكروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم) وما أنزل عليه. وقرئ عليهم منه شيء فخشعوا وسجدوا لله وقالوا: هذا وقت نبوة المذكور في التوراة وهذه صفته، ووعد الله به واقع لا محالة، وجنحوا إلى الإسلام هذا الجنوح فنزلت هذه الآية فيهم.
وقيل: المراد بالذين * (أوتوا العلم من قبله) * هو محمد صلى الله عليه وسلم)، والظاهر أن الضمير في * (به) * وفي * (من قبله) * عائد على الرسول عليه الصلاة والسلام.
واستأنف ذكر القرآن في قوله * (إذا يتلى عليهم) * والظاهر في قوله * (إذا يتلى عليهم) * أن الضمير في * (يتلى) * عائد على القرآن. وقيل: هو عائد على التوراة وما فيها من تصديق القرآن ومعرفة النبي عليه الصلاة والسلام، والخرور هو السقوط بسرعة، ومنه * (فخر عليهم السقف) * وانتصب * (سجدا) * على الحال، والسجود وهو وضع الجبهة على الأرض هو غاية الخرور ونهاية الخضوع، وأول ما يلقى الأرض حالة السجود الذقن، أو عبر عن الوجوه بالأذقان كما يعبر عن كل شيء ببعض ما يلاقيه. وقال الشاعر:
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»