تظافرت كان ذلك أقوى وأثبت كقول إبراهيم عليه السلام * (ولاكن ليطمئن قلبى) * انتهى. وهذا القول هو الأول وهو ما أعلمه به من غيب القصة. ولما كان متعلق السؤال محذوفا احتمل هذه التقديرات، والظاهر أن الأمر بالسؤال لبني إسرائيل هو حقيقة. وقال ابن عطية ما معناه: يحتمل أن يكون السؤال عبارة عن تطلب أخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم. نحو قوله * (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) * جعل النظر والتطلب معبرا عنه بالسؤال، ولذلك قال الحسن: سؤالك إياهم نظرك في القرآن، والظاهر أن * (إذ) * معمولة لآتينا أي * (ءاتينا) * حين جاء أتاهم.
وقال الزمخشري: فإن قلت: بم نعلق * (إذ جاءهم) *؟ قلت: أما على الوجه الأول فبالقول المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم، وأما على الآخر فبآتينا أو بإضمار اذكر أويخبرونك انتهى. ولا يتأتى تعلقه باذكر ولا بيخبرونك لأنه ظرف ماض. وقراءة فسأل مروية عن ابن عباس. قال ابن عباس: كلام محذوف وتقديره فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب انتهى. وعلى قراءة فسل يكون التقدير فقلنا له سل * (بنى إسراءيل) * أي سل فرعون إطلاق بني إسرائيل. وقال أبو عبد الله الرازي: فسل * (بنى إسراءيل) * اعتراض في الكلام والتقدير، * (ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات) * إذ جاء * (بنى إسراءيل) * فسلهم وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود صدق ما ذكره الرسول عليه السلام، فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد انتهى. وعلى قراءة فسأل ماضيا وقدره فسأل فرعون * (بنى إسراءيل) * يكون المفعول الأول السأل محذوفا، والثاني هو * (بنى إسراءيل) * وجاز أن يكون من الأعمال لأنه توارد على فرعون سأل وفقال فأعمل، الثاني على ما هو أرجح.
والظاهر أن قوله * (مسحورا) * اسم مفعول أي قد سحرت بكلامك هذا مختل وما يأتي به غير مستقيم وهذا خطاب بنقيض. وقال الفراء والطبري: مفعول بمعنى فاعل أي ساحرا، فهذه العجائب التي يأتي بها من أمر السحر، وقالوا: مفعول بمعنى فاعل مشؤوم وميمون وإنما هو شائم ويامن. وقرأ الجمهور: * (لقد علمت) * بفتح التاء على خطاب موسى لفرعون وتبكيته في قوله عنه أنه مسحور أي لقد علمت أن ما جئت به ليس من باب السحر، ولا أني خدعت في عقلي، بل علمت أنه ما أنزلها إلا الله، وما أحسن ما جاء به من إسناد إنزالها إلى لفظ * (رب * السماوات والارض) * إذ هو لما سأله فرعون في أول محاورته فقال له: وما رب العالمين قال: * (رب * السماوات والارض) * ينبهه على نقصه وأنه لا تصرف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى استحالة، فبكته وأعلمه أنه يعلم آيات الله ومن أنزلها ولكنه مكابه معاند كقوله * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) * وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذا وهي من الوضوح بحيث تعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه. وقرأ علي بن أبي طالب وزيد بن علي والكسائي * (علمت) * بضم التاء أخبر موسى عن نفسه أنه ليس بمسحور كما وصفه فرعون، بل هو يعلم أن * (ما أنزل هؤلاء) * الآيات إلا الله.
وروي عن علي أنه قال: ما علم عدو الله قط وإنما علم موسى، وهذا القول عن علي لا يصح لأنه رواه كلثوم المرادي وهو مجهول، وكيف يصح هذا القول وقراءة الجماعة بالفتح على خطاب فرعون.
و * (أنزل الله) * جملة في موضع نصب علق عنها * (علمت) *. ومعنى * (بصائر) * دلالات على وحدانية الله وصدق رسوله والإشارة بهؤلاء إلى الآيات التسع. وانتصب * (بصائر) * على الحال في قول ابن عطية والحوفي وأبي البقاء، وقالا: حال من * (هؤلاء) * وهذا لا يصح إلا على مذهب الكسائي والأخفش لأنهما يجيزان ما ضرب هندا هذا إلا زيد ضاحكة. ومذهب الجمهور أنه لا يجوز فإن ورد ما ظاهره ذلك أول على إضمار فعل يدل عليه ما قبله التقدير ضربها ضاحكة، وكذلك يقدرون هنا أنزلها * (بصائر) * وعند هؤلاء لا يعمل ما قبل إلا فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى منه أو تابعا له.
وقابل موسى ظنه بظن فرعون فقال: * (وإنى لاظنك يافرعون * فرعون * مثبورا) *