تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٧٠
وانتصب * (نافلة) *. قال الحوفي: على المصدر أي نفلناك نافلة قال: ويجوز أن ينتصب * (نافلة) * بتهجد إذا ذهبت بذلك إلى معنى صل به نافلة أي صل نافلة لك.
وقال أبو البقاء: فيه وجهان أحدهما: هو مصدر بمعنى تهجد أي تنفل نفلا و * (نافلة) * هنا مصدر كالعاقبة والثاني هو حال أي صلاة نافلة انتهى. وهو حال من الضمير في * (به) * ويكون عائدا على القرآن لا على وقت الذي قدره ابن عطية. وقال الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود والحجاج بن عمرو: التهجد بعد نومة. وقال الحسن: ما كان بعد العشاء الآخرة. وقال ابن عباس: * (نافلة) * زيادة لك في الفرض وكان قيام الليل فرضا عليه. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون على جهة الندب في التنفل والخطاب له والمراد هو وأمته كخطابه في * (أقم الصلواة) *. وقال مجاهد السدي: إنما هي نافلة له قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية، فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل من العمل وقربا أشرف من نوافل أمته لأن هذه أعني نوافل أمته إما أن يجبر بها فرائضهم، وإما أن يحط بها خطيئاتهم. وضعف الطبري قول مجاهد واستحسنه أبو عبد الله الرازي. وقال مقاتل فله كرامة وعطاء لك. وقيل: كانت فرضا ثم رخص في تركها. ومن حديث زيد بن خالد الجهني: رمق صلاته على ه الصلاة والسلام ليلة فصلى بالوتر ثلاث عشرة ركعة. وعن عائشة: أنه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
و * (عسى) * مدلولها في المحبوبات الترجي. فقيل: هي على بابها في الترجي تقديره لتكن على رجاء من * (أن يبعثك) *. وقيل هي بمعنى كي، وينبغي أن يكون هذا تفسير معنى، والأجود أن أن هذه الترجية والإطماع بمعنى الوجوب من الله تعالى وهو متعلق من حيث المعنى بقوله: * (فتهجد) * * (وعسى) * هنا تامة وفاعلها * (أن يبعثك) *، و * (ربك) * فاعل بيبعثك و * (مقاما) * الظاهر أنه معموله ليبعثك هو مصدر من غير لفظ الفعل لأن يبعثك بمعنى يقيمك تقول أقيم من قبره وبعث من قبره. وقال ابن عطية: منصوب على الظرف أي في مقام محمود. وقيل: منصوب على الحال أي ذا مقام. وقيل: هو مصدر لفعل محذوف التقدير فتقوم * (مقاما) * ولا يجوز أن تكون * (عسى) * هنا ناقصة، وتقدم الخبر على الاسم فيكون * (ربك) * مرفوعا اسم * (عسى) * و * (أن يبعثك) * الخبر في موضع نصب بها إلا في هذا الإعراب الأخير. وأما في قبله فلا يجوز لأن * (مقاما) * منصوب بيبعثك و * (ربك) * مرفوع بعسى فيلزم الفصل بأجنبي بين ما هو موصول وبين معمول. وهو لا يجوز.
وفي تفسير المقام المحمود أقوال.
أحدهما: أنه في أمر الشفاعة التي يتدافعها الأنبياء حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم)، والحديث في الصحيح وهي عدة من الله تعالى له عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الشفاعة يحمده أهل الجمع كلهم وفي دعائه المشهور: (وابعثه المقام المحمود الذي وعدته) واتفقوا على أن المراد منه الشفاعة.
الثاني: أنه في أمر شفاعته لأمته في إخراجه لمذنبهم من النار، وهذه الشفاعة لا تكون إلا بعد الحساب ودخول الجنة ودخول النار، وهذه لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء. وقد روي حديث هذه الشفاعة وفي آخره: (حتى لا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن) أي وجب عليه الخلود. قال: ثم تلا هذه الآية * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *. وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: (المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي فظاهر هذا الكلام تخصيص شفاعته لأمته، وقد تأوله من حمل ذلك على الشفاعة العظمى التي يحمده بسببها الخلق كلهم على أن المراد لأمته وغيرهم أو يقال إن كل مقام منهما محمود.
الثالث: عن حذيفة: يجمع الله الناس في صعيد فلا تتكلم نفس فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم)، فيقول: لبيك وسعديك والشر
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»