تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٦٨
خافت بالكلام أسره بحيث لا يكاد يسمعه المتكلم وضربه حتى خفت أي لا يسمع له حس.
* (أقم الصلواة لدلوك الشمس إلى غسق اليل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا * ومن اليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا * وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا * وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا * وننزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) *.
ومناسبة * (أقم الصلواة) * لما قبلها أنه تعالى لما ذكر كيدهم للرسول وما كانوا يرومون به، أمره تعالى أن يقبل على شأنه من عبادة ربه وأن لا يشغل قلبه بهم، وكان قد تقدم القول في الإلهيات والمعاد والنبوات، فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات والطاعات بعد الإيمان وهي الصلاة وتقدم الكلام في إقامة الصلاة والمواجه بالأمر الرسول عليه الصلاة والسلام. واللام في * (لدلوك) * قالوا: بمعنى بعد أي بعد دلوك * (الشمس) * كما قالوا ذلك في قوم متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا:
* فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا * أي بعد طول اجتماع ومنه كتبته لثلاث خلون من شهر كذا. وقال الواحدي: اللام للسبب لأنها إنما تجب بزوال الشمس، فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس. قال ابن عطية: * (أقم الصلواة) * الآية هذه بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة. فقال ابن عمر وابن عباس وأبو بردة والحسن والجمهور: دلوك الشمس زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر وغسق الليل إشارة إلى المغرب والعشاء * (أقم الصلواة) * أريد به صلاة الصبح، فالآية على هذا تعم جميع الصلوات. وروي ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر). وروي جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم) خرج من عنده وقد طعم وزالت الشمس، فقال: (أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس). وقال ابن مسعود وابن عباس وزيد بن أسلم: دلوك الشمس غروبها والإشارة بذلك إلى المغرب * (قم اليل) * ظلمته فالإشارة إلى العتمة * (أقم الصلواة) * صلاة الصبح، ولم تقع إشارة على هذا التأويل إلى الظهر والعصر انتهى. وعن علي أنه الغروب، وتتعلق اللام وإلى بأقم، فتكون إلى غاية للإقامة. وأجاز أبو البقاء أن تكون حالا من الصلاة قال: أي ممدودة ويعني بقرآن الفجر صلاة الصبح، وخصت بالقرآن وهو القراءة لأنه عظمها إذ قراءتها طويلة مجهور بها، وانتصب * (أقم الصلواة) * عطفا على * (الصلواة) *.
* وقال الأخفش: انتصب بإضمار فعل تقديره وآثر * (أقم الصلواة) * أو عليك * (أقم الصلواة) * انتهى. وسميت صلاة الصبح ببعض ما يقع فيها. وقال الزمخشري: سميت صلاة الفجر قرآنا وهي القراءة لأنها ركن كما سميت ركوعا وسجودا وقنوتا وهي حجة علي ابن أبي علية. والأضم في زعمهما أن القراءة ليست بركن انتهى. وقيل: إذا فسرنا الدلوك بزوال الشمس كان الوقت مشتركا بين الظهر والعصر إذا غييت الإقامة بغسق الليل، ويكون الغسق وقتا مشتركا بين الغرب والعشاء، ويكون المذكور ثلاثة أوقات: أول وقت الزوال، وأول وقت المغرب، وأول وقت الفجر انتهى، والذي يدل عليه ظاهر اللفظ أنه أمر بإقامة الصلاة إما من أول الزوال إلى الغسق، وبقرآن الفجر، وإما من الغروب إلى
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»