من بني عبد الدار كانوا يؤذونه في الليل إذا صلى وجهر بالقراءة، فحال الله بينهم وبين أذاه.
ولما تقدم الكلام في تقرير الإلهية جاء بعده تقرير النبوة وذكر شيء من أحوال الكفرة في إنكارها وإنكار المعاد، والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة بل المعنى على أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق عليه الاسم، فإنك تقول لمن يقرأ شيئا من القرآن هذا يقرأ القرآن، والظاهر أن القرآن هنا هو ما قرىء من القرآن أي شيء كان منه. وقيل: ثلاث آيات منه معينة وهي في النحل * (أولئك الذين طبع * إلى * الغافلون) * وفي الكهف * (ومن أظلم * إلى * إذا أبدا) * وفي الجاثية * (أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه * إلى * أفلا تتذكرون) * وعن كعب أن الرسول كان يستتر بهذه الآيات، وعن ابن سيرين أنه عينها له هاتف من جانب البيت، وعن بعضهم أنه أسر زمانا ثم اهتدى قراءتها فخرج لا يبصره الكفار وهم يتطلبونه تمس ثيابهم ثيابه. قال القرطبي: ويزاد إلى هذه الآي أول يس إلى * (فهم لا يبصرون) * ففي السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم) حين نام على فراشه خرج ينثر التراب على رؤوس الكفار فلا يرونه وهو يتلو هذه الآيات من يس، ولم يبق أحد منهم إلا وضع على رأسه ترابا. والظاهر أن المعنى جعلنا بين رؤيتك وبين أبصار الذين لا يؤمنون بالآخرة كما ورد في سبب النزول.
وقال قتادة والزجاج وجماعة ما معناه: * (جعلنا بينك) * فهم ما تقرأ وبينهم * (حجابا) * فلا يقرون بنبوتك ولا بالبعث، فالمعنى قريب من الآية بعدها، والظاهر إقرار * (مستورا) * على موضوعه من كونه اسم مفعول أي * (مستورا) * عن أعين الكفار فلا يرونه، أو * (مستورا) * به الرسول عن رؤيتهم. ونسب الستر إليه لما كان مستورا به قاله المبرد، ويؤول معناه إلى أنه ذو ستر كما جاء في صيغة لابن وتامر أي ذو لبن وذو تمر. وقالوا: رجل مرطوب أي ذو رطبة ولا يقال رطبته، ومكان مهول أي ذو هول، وجارية مغنوجة ولا يقال هلت المكان ولا غنجت الجارية. وقال الأخفش وجماعة * (مستورا) * ساترا واسم الفاعل قد يجيء بلفظ المفعول كما قالوا مشؤوم وميمون يريدون شائم ويامن. وقيل: مستور وصف على جهة المبالغة كما قالوا شعر شاعر، ورد بأن المبالغة إنما تكون باسم الفاعل ومن لفظ الأول * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفىءاذانهم وقرا) * تقدم تفسيره في أوائل الأنعام * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) *. قيل: دخل ملأ قريش على أبي طالب يزورونه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقرأ ومر بالتوحيد، ثم قال: (يا معشر قريش قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم) فولوا ونفروا فنزلت هذه الآية. والظاهر أن الآية في حال الفارين عند وقت قراءته ومروره بتوحيد الله، والمعنى إذا جاءت مواضع التوحيد فر الكفار إنكارا له واستبشاعا لرفض آلهتهم واطراحها.
وقال الزمخشري: وحد يحد وحدا وحدة نحو وعد يعد وعدا وعدة و * (وحده) * من باب رجع عوده على بدئه وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسد الحال، أصله يحد وحده بمعنى واحدا انتهى. وما ذهب إليه من أن * (وحده) * مصدر ساد مسد الحال خلاف مذهب سيبويه و * (وحده) * عند سيبويه ليس مصدرا بل هو اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فوحده عنده موضوع موضع إيحاد، وإيحاد موضوع موضع موحد. وذهب يونس إلى أن * (وحده) * منصوب على الظرف، وذهب قوم إلى أنه مصدر لا فعل له، وقوم إلى أنه مصدر لأوحد على حذف الزيادة، وقوم إلى أنه مصدر لوحد كما ذهب إليه الزمخشري وحجج هذه الأقوال مذكورة في كتب النحو.