حكمة لأن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، والعقول تدل على صحتها وهي شرائع في جميع الأديان لا تقبل النسخ.
وعن ابن عباس: إن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام، أولها * (لا تجعل مع الله إلاها ءاخر) * قال تعالى: * (وكتبنا له فى الالواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء) * وكرر تعالى النهي عن الشرك، ففي النهي الأول. * (فتقعد مذموما مخذولا) * وفي الثاني * (فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا) * والفرق بين مذموم وملوم أن كونه مذموما أن يذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح منكر، وكونه ملوما أن يقال له بعد الفعل وذمه لم فعلت كذا وما حملك عليه وما استفذت منه إلا إلحاق الضرر بنفسك، فأول الأمر الذم وآخره اللوم، والفرق بين مخذول ومدحور أن المخذول هو المتروك إعانته ونصره والمفوض إلى نفسه، والمدحور المطرود المبعد على سبيل الإهانة له والاستخفاف به، فأول الأمر الخذلان وآخره الطرد مهانا. وكان وصف الذم والخذلان يكون في الدنيا ووصف اللوم والدحور يكون في الآخرة، ولذلك جاء * (فتلقى فى جهنم) * والخطاب بالنهي في هذه الآيات للسامع غير الرسول. وقال الزمخشري: ولقد جعل الله عز وعلا فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم.
* (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملئكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما * ولقد صرفنا فى هاذا القرءان ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا * قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا * سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا * تسبح له * السماوات والارض * ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) *.
لما نبه تعالى على فساد من أثبت لله شريكا ونظيرا أتبعه بفساد طريقة من أثبت لله ولدا، والاستفهام معناه الإنكار والتوبيخ والخطاب لمن اعتقد أن الملائكة بنات الله ومعنى * (أفأصفاكم) * آثركم وخصكم وهذا كما قال: * (إله * البنات ولكم البنون * ألكم الذكر وله الانثى) * وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون أردؤها وأدونها للسادات. ومعنى * (عظيما) * مبالغا في المنكر والقبح حيث أضفتم إليه الأولاد ثم حيث فضلتم عليه تعالى أنفسكم فجعلتم له ما تكرهون، ثم نسبة الملائكة الذين هم من شريف ما خلق إلى الأنوثة. ومعنى * (صرفنا) * نوعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال، والتصريف لغة صرف الشيء من جهة إلى جهة ثم صار كناية عن التبيين. وقرأ الجمهور * (وصرفنا) * بتشديد الراء. فقال: لم نجعله نوعا واحدا بل وعدا ووعيدا، ومحكما ومتشابها، وأمرا ونهيا، وناسخا ومنسوخا، وأخبارا وأمثالا مثل تصريف الرياح من صباودبور وجنوب وشمال، ومفعول * (صرفنا) *