تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤١
مخدوعا نحو * (فأنى تسحرون) * أي تخدعون. وقال أبو عبيدة: * (مسحورا) * معناه أن له سحرا أي رئة فهو لا يستغنى عن الطعام والشراب فهو مثلكم وليس بملك، وتقول العرب للجبان: قد انتفخ سحره ولكل من أكل أو شرب من آدمي وغيره مسحور. قال:
* أرانا موضعين لأمر غيب * ونسحر بالطعام والشراب * أي نغذى ونعلل ونسحر. قال لبيد:
* فإن تسألينا فيم نحن فإننا * عصافير من هذا الأنام المسحر * قال ابن قتيبة: لا أدري ما الذي حمل أبا عبيدة على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة. وقال ابن عطية: الآية التي بعد هذا تقوي أن اللفظة من السحر بكسر السين لأن في قولهم ضرب مثل، وأما على أنها من السحر الذي هو الرئة ومن التغذي وأن تكون الإشارة إلى أنه بشر فلم يضرب له في ذلك مثل بل هي صفة حقيقة له، و * (الامثال) * تقدم ما قالوه في تناجيهم وكان ذلك منهم على جهة التسلية والتلبيس، ثم رأى الوليد بن المغيرة أن أقر بها لتخييل الطارئين عليهم هو أنه ساحر فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب فيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره عليهم فلا يستطيعون سبيلا إلى الهدى والنظر المؤدي إلى الإيمان، أو سبيلا إلى إفساد أمرك وإطفاء نور الله بضربهم الأمثال واتباعهم كل حيلة في جهتك.
وحكى الطبري أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه * (وقالوا * أن كنا) * هذا استفهام تعجب وإنكار واستبعاد لما ضربوا له الأمثال وقالوا عنه إنه مسحور ذكروا ما استدلوا به على زعمهم على اتصافه بما نسبوا إليه، واستبعدوا أنه بعدما يصير الإنسان رفاتا يحييه الله ويعيده، وقد رد عليهم ذلك بأنه تعالى هو الذي فطرهم بعد العدم الصرف على ما يأتي شرحه في الآية بعد هذا، ومن قرأ من القراء إذا وإنا معا أو إحداهما على صورة الخبر فلا يريد الخبر حقيقة لأن ذلك كان يكون تصديقا بالبعث والنشأة الآخرة، ولكنه حذف همزة الاستفهام لدلالة المعنى. وفي الكلام حذف تقديره إذا كنا ترابا وعظاما نبعث أو نعاد، وحذف لدلالة ما بعده عليه وهذا المحذوف هو جواب الشرط عند سيبويه، والذي تعلق به الاستفهام وانصب عليه عند يونس وخلقا حال وهو في الأصل مصدر أطلق على المفعول أي مخلوقا. (سقط: قل كونوا حجارة أو حديدا، أو خلقا ما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك ويقولون متى قل هو عسى أن يكون قريبا)
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»