تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٥٠
وقرأ الجمهور: * (يدعون) * بياء الغيبة وابن مسعود وقتادة بتاء الخطاب، وزيد بن علي بياء الغيبة مبنيا للمفعول، والمعنى يدعونهم آلهة أو يدعونهم لكشف ما حل بكم من الضر كما حذف من قوله * (قل ادعوا) * أي ادعوهم لكشف الضر.
وفي قوله: * (زعمتم) * ضمير محذوف عائد على * (الذين) * وهو المفعول الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله، و * (أولائك) * مبتدأ و * (الذين) * صفته، والخبر * (يبتغون) *. و * (الوسيلة) * القرب إلى الله تعالى، والظاهر أن * (أولائك) * إشارة إلى المعبودين والواو في * (يدعون) * للعابدين، والعائد على * (الذين) * منصوب محذوف أي يدعونهم.
وقال ابن فورك: الإشارة بقوله بأولئك إلى النبيين الذين تقدم ذكرهم، والضمير المرفوع في * (يدعون) * و * (يبتغون) * عائد عليهم، والمعنى يدعون الناس إلى دين الله، والمعنى على هذا أن الذين عظمت منزلتهم وهم الأنبياء لا يعبدون إلا الله ولا يبتغون الوسيلة إلا إليه، فهم أحق بالاقتداء بهم فلا يعبدوا غير الله.
وقرأ الجمهور: * (إلى ربهم) * بضمير الجمع الغائب. وقرأ ابن مسعود إلى ربك بالكاف خطابا للرسول، واختلفوا في إعراب * (أيهم أقرب) * وتقديره. فقال الحوفي: * (أيهم أقرب) * ابتداء وخبر، والمعنى ينظرون * (أيهم أقرب) * فيتوسلون به ويجوز أن يكون * (أيهم أقرب) * بدلا من الواو في * (يبتغون) * انتهى. ففي الوجه الأول أضمر فعل التعليق، و * (أيهم أقرب) * في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن نظر إن كان بمعنى الفكر تعدى بفي، وإن كانت بصرية تعدت بإلى، فالجملة المعلق عنها الفعل على كلا التقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر كقوله * (فلينظر أيها أزكى طعاما) * وفي إضمار الفعل المعلق نظر، والوجه الثاني قاله الزمخشري قال: وتكون أي موصولة، أي يبتغى من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب انتهى. فعلى الوجه يكون * (أقرب) * خبر مبتدأ محذوف، واحتمل * (أيهم) * أن يكون معربا وهو الوجه، وأن يكون مبنيا لوجود مسوغ البناء. قال الزمخشري: أو ضمن * (يبتغون) * * (الوسيلة) * معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، فيكون قد ضمن * (يبتغون) * معنى فعل قلبي وهو يحرصون حتى يصح التعليق، وتكون الجملة الابتدائية في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن حرص يتعدى بعلى، كقوله * (إن تحرص على هداهم) *.
وقال ابن عطية: و * (أيهم) * ابتدأ و * (أقرب) * خبره، والتقدير نظرهم وودكهم * (أيهم أقرب) * وهذا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها، أي يتبارون في طلب القرب. فجعل المحذوف نظرهم وودكهم وهذا مبتدأ فإن جعلت * (أيهم أقرب) * في موضع نصب بنظرهم المحذوف بقي المبتدأ الذي هو نظرهم بغير خبر محتاج إلى إضمار الخبر، وإن جعلت * (أيهم أقرب) * هو الخبر فلا يصح لأن نظرهم ليس هو * (أيهم أقرب) * وإن جعلت التقدير نظرهم في * (أيهم أقرب) * أي كائن أو حاصل فلا يصح ذلك لأن كائنا وحاصلا ليس مما تعلق.
وقال أبو البقاء: * (أيهم) * مبتدأ و * (أقرب) * خبره، وهو استفهام في موضع نصب بيدعون، ويجوز أن يكون * (أيهم) * بمعنى الذي وهو بدل من الضمير في * (يدعون) * والتقدير الذي هو أقرب انتهى. ففي الوجه الأولى علق * (يدعون) * وهو ليس فعلا قلبيا، وفي الثاني فصل بين الصلة ومعمولها بالجملة الحالية، ولا يضر ذلك لأنها معمولة للصلة * (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) * كغيرهم من عباد الله، فكيف يزعمون أنهم آلهة * (إن عذاب ربك كان محذورا) * يحذره كل أحد.
و * (إن من * قرية) * * (ءان) * نافية و * (من) * زائدة في المبتدأ تدل على استغراق الجنس، والجملة بعد * (إلا) * خبر المبتدأ. وقيل: المراد الخصوص والتقدير وإن من قرية ظالمة. وقال ابن عطية: ومن لبيان الجنس على قول من يثبت لها هذا المعنى هو أن يتقدم قبل ذلك ما يفهم منه إبهام ما فتأتي * (من) * لبيان ما
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»