وإذا ذكرت * (وحده) * بعد فاعل ومفعول نحو ضربت زيدا فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل، أي موحدا له بالضرب، ومذهب المبرد أنه يجوز أن يكون حالا من المفعول فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير * (وإذا ذكرت ربك) * موحدا له بالذكر وعلى مذهب أبي العباس يجوز أن يكون التقدير موحدا بالذكر.
و * (نفورا) * حال جمع نافر كقاعد وقعود، أو مصدر على غير المصدر لأن معنى * (ولوا) * نفروا، والظاهر عود الضمير في * (ولوا) * على الكفار المتقدم ذكرهم. وقالت فرقة: هو ضمير الشياطين لأنهم يفرون من القرآن دل على ذلك المعنى وإن لم يجر لهم ذكر. وقال أبو الحوراء أوس بن عبد الله: ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من لا إله إلا الله ثم تلا * (وإذا ذكرت) * الآية. وقال علي بن الحسين: هو البسملة * (نحن أعلم بما يستمعون به) * أي بالاستخفاف الذي يستمعون به والهزء بك واللغو، كان إذا قرأ صلى الله عليه وسلم) قام رجلان من بني عبد الله عن يمينه ورجلان منهم عن يساره، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار. وبما متعلق بأعلم، وما كان في معنى العلم والجهل وإن كان متعديا لمفعول بنفسه فإنه إذا كان في باب أفعل في التعجب، وفي أفعل التفضيل تعدى بالباء تقول: ما أعلم زيدا بكذا وما أجهله بكذا، وهو أعلم بكذا وأجهل بكذا بخلاف سائر الأفعال المتعدية لمفعول بنفسه، فإنه يتعدى في أفعل في التعجب وأفعل التفضيل باللام، تقول: ما أضرب زيدا لعمرو وزيد أضرب لعمرو من بكر. وبه قال الزمخشري في موضع الحال كما تقول: يستمعون بالهزء أي هازئين * (وإذا * يستمعون) * نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون وبما به يتناجون، إذ هم ذوو نجوى * (إذ يقول) * بدل من * (إذ هم) * انتهى.
وقال الحوفي: لم يقل يستمعونه ولا يستمعونك لما كان الغرض ليس الإخبار عن الاستماع فقط، وكان مضمنا أن الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا: مجنون أو مسحور، جاء الاستماع بالباء وإلى ليعلم أن الاستماع ليس المراد به تفهم المسموع دون هذا المقصد * (إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى) * فإذا الأولى تتعلق بيستمعون به وكذا * (وإذ هم نجوى) * لأن المعنى نحن أعلم بالذي يستمعون به إليك وإلى قراءتك وكلامك إنما يستمعون لسقطك وتتبع عيبك والتماس ما يطعنون به عليك، يعني في زعمهم ولهذا ذكر تعديته بالباء وإلى انتهى. وقال أبو البقاء: يستمعون به. قيل: الباء بمعنى اللام، لا وإذ ظرف ليستمعون الأولى، والنجوى مصدر، ويجوز أن يكون جمع نجى كقتيل وقتلى، وإذ بدل من * (إذ) * الأولى. وقيل: التقدير إذ كر إذ تقول. وقال ابن عطية: الضمير في به عائد على ما هو بمعنى الذي، والمراد الاستخفاف والإ عراض فكأنه قال: نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به أي هو ملازمهم، ففضح الله بهذه الآية سرهم والعامل في * (إذ) * الأولى وفي المعطوف * (يستمعون) * الأولى انتهى. تناجوا فقال النضر: ما أفهم ما تقول، وقال أبو سفيان: أرى بعضه حقا، وقال أبو جهل: مجنون، وقال أبو لهب: كاهن، وقال حويطب: شاعر، وقال بعضهم: أساطير الأولين، وبعضهم إنما يعلمه بشر، وروي أن تناجيهم كان عند عتبة دعا أشراف قريش إلى طعام فدخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم) وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله. فتناجوا يقولون ساحر مجنون، والظاهر أن * (مسحورا) * من السحر أي خبل عقله السحر. وقال مجاهد: