تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٣
وإثبات الواو والياء والألف مع الجازم لغة لبعض العرب وضرورة لغيرهم. وقرأ معاذ القارئ: * (ولا تقف) * مثل تقل، من قاف يقوف تقول العرب: قفت أثره وقفوت أثره وهما لغتان لوجود التصاريف فيهما كجبذ وجذب، وقاع الجمل الناقة وقعاها إذا ركبها، وليس قاف مقلوبا من قفا كما جوزه صاحب اللوامح. وقرأ الجراح العقيلي: * (والفؤاد) * بفتح الفاء والواو قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد ثم استصحب القلب مع الفتح وهي لغة في * (الفؤاد) * وأنكرها أبو حاتم وغيره وبه لا تتعلق بعلم لأنه يتقدم معموله عليه. قال الحوفي: يتعلق بما تعلق به * (لك) * وهو الاستقرار وهو لا يظهر وفي قوله: * (إن السمع والبصر والفؤاد) * دليل على أن العلوم مستفادة من الحواس ومن العقول، وجاء هذا على الترتيب القرآني في البداءة بالسمع، ثم يليه البصر، ثم يليه الفؤاد. و * (أولائك) * إشارة إلى * (السمع والبصر والفؤاد) * وهو اسم إشارة للجمع المذكر والمؤنث العاقل وغيره. وتخيل ابن عطية أنه يختص بالعاقل. فقال: وعبر عن * (السمع والبصر والفؤاد) * بأولئك لأنها حواس لها إدراك، وجعلها في هذه الآية مسؤولة فهي حالة من يعقل، ولذلك عبر عنها بأولئك. وقد قال سيبويه رحمه الله في قوله تعالى: * (رأيتهم لى ساجدين) * إنما قال: رأيتهم في نجوم لأنه إنما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل. وحكى الزجاج أن العرب تعبر عمن يعقل وعما لا يعقل بأولئك، وأنشد هو والطبري:
* ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام * وأما حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأما البيت فالرواية فيه الأقوام انتهى. وليس ما تخيله صحيحا، والنحاة ينشدونه بعد أولئك الأيام ولم يكونوا لينشدوا إلا ما روي، وإطلاق أولاء وأولاك وأولئك وأولالك على ما لا يعقل لا نعلم خلافا فيه، و * (كل) * مبتدأ والجملة خبره، واسم * (كان) * عائد على * (كل) * وكذا الضمير في * (مسؤولا) *. والضمير في * (عنه) * عائد على ما من قوله * (ما ليس لك به علم) * فيكون المعنى أن كل واحد من * (السمع والبصر والفؤاد) * يسأل عما لا علم له به أي عن انتفاء ما لا علم له به. وهذا الظاهر. وقال الزجاج: يستشهد بها كما قال * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم) *. وقال القرطبي في أحكامه: يسأل الفؤاد عما اعتقده، والسمع عما سمع، والبصر عما رأى. وقال ابن عطية: إن الله تعالى يسأل سمع الإنسان وبصره وفؤاده عما قال مما لا علم له به، فيقع تكذيبه من جوارحه وتلك غاية الخزي. وقيل: الضمير في * (كان) * و * (مسؤولا) * عائدان على القائف ما ليس له به علم، والضمير في * (عنه) * عائد على * (كل) * فيكون ذلك من الالتفات إذ لو كان على الخطاب لكان التركيب كل أولئك كنت عنه مسؤولا.
وقال الزمخشري: و * (عنه) * في موضع الرفع بالفاعلية، أي كل واحد منها كان مسؤولا عنه، فمسؤول مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في قوله * (غير المغضوب عليهم) * يقال للإنسان: لم سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ ولم نظرت ما لم يحل لك النظر إليه؟ ولم عزمت على ما لم
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»