(سقط يهدي من يريد) الظاهر أن المجادل في هذه الآية غير المجادل في الآية قبلها، فعن محمد بن كعب أنها نزلت في الأخنس بن شريق. وعن ابن عباس في أبي جهل. وقيل: الأولى في المقلدين وهذه في المقلدين، والجمهور على أنها والتي قبلها في النضر كررت مبالغة في الذم، ولكون كل واحدة اشتملت على زيادة ليست في الأخرى. وقد قيل فيه: نه نزلت فيه بضع عشرة آية. وقال ابن عطية: وكرر هذه على وجه التوبيخ، فكأنه يقول: هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان * (ومن الناس) * مع ذلك * (من يجادل) * فكان الواو واو الحال، والآية المتقدمة الواو فيها واو العطف عطفت جملة الكلام على ما قبلها، والآية على معنى الإخبار وهي ههنا مكررة للتوبيخ انتهى. ولا يتخيل أن الواو في * (ومن الناس من يجادل) * واو حال، وعلى تقدير الجملة التي قدرها قبله لو كان مصرحا بها لم يتقدر بإذ فلا تكون للحال، وإنما هي للعطف قسم المخذولين إلى مجادل * (فى الله بغير علم) * متبع لشيطان مريد، ومجادل * (بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) * إلى آخره وعابد ربه على حرف والمراد بالعلم العلم الضروري، وبالهدى الاستدلال والنظر لأنه يهدي إلى المعرفة، وبالكتاب المنير الوحي أي * (يجادل) * بغير واحد من هذه الثلاثة.
وانتصب * (ثانى عطفه) * على الحال من الضمير المستكن في * (يجادل) * قال ابن عباس: متكبرا، ومجاهد: لاويا عنقه بقبح، والضحاك شامخا بأنفه وابن جريج: معرضا عن الحق، وقرأ الحسن ثاني عطف بفتح العين أي: تعطفه وترحمه و (ليضل) متعلق ب (تجادل) وقرأ مجاهد وأهل مكة وأبو عمرو في رواية * (ليضل) * بفتح الياء أي * (ليضل) * في نفسه والجمهور بضمها أي * (ليضل) * غيره، وهو يترتب على إضلاله كثرة العذاب، إذ عليه وزر من عمل به. ولما كان مآل جداله إلى الإضلال كان كأنه علة له، وكذلك لما كان معرضا عن الهدى مقبلا على الجدال بالباطل كان كالخارج من الهدى إلى الضلال.
والخزي في الدنيا ما لحقه يوم بدر من الأسر والقتل والهزيمة، وقد أسر النضر. وقيل: يوم بدر بالصفراء. و * (الحريق) * قيل طبقة من طباق جهنم، وقد يكون من إضافة الموصوف إلى صفته أي العذاب الحريق أي المحرق كالسميع بمعنى المسمع.
وقرأ زيد بن علي فأذيقه بهمزة المتكلم ذلك إشارة إلى الخزي والإذاقة، وجوزوا في إعراب ذلك هذا ما جوزوا في إعراب ذلك بأن الله هو الحق. وتقدم المراد في * (بما قدمت يداك) * أي باجترامك وبعدل الله فيك إذ عصيته، ويحتمل أن يكون وأن الله متقطعا ليس ذلك في السبب والتقدير والأمر أن الله. قال ابن عطية: والعبيد هنا ذكروا في معنى مسكنتهم وقلة قدرتهم، فلذلك جاءت هذه الصيغة انتهى. وهو يفرق بين العبيد والعباد وقد رددنا عليه تفرقته في أواخر آل عمران في قوله * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * وشرحنا هنا قوله * (بظلام) *.
من * (يعبد الله) * نزلت في أعراب من أسلم وغطفان تباطؤوا عن الإسلام وقالوا: نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤونا. وقيل: في أعراب لا يقين لهم يسلم أحدهم فيتفق تثمير ماله وولادة ذكر وغير ذلك من الخير، فيقول: هذا دين جيد أو ينعكس حاله فيتشاءم ويرتد كما جرى للعرنيين قال معناه ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وعن ابن عباس: في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم)، فلما أوحى إليه ارتد. وقيل: في يهودي أسلم فأصيب فتشاءم بالإسلام، وسأل الرسول إلا قاله فقال: (إن الإسلام لا يقال) فنزلت. وعن الحس: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه وقال ابن عيسى: على ضعف يقين. وقال أبو عبيد * (على حرف) * على شك. وقال ابن عطية * (حرف) * على انحراف منه عن العقيدة البيضاء، أو على شفا منها معدا للزهوق.
وقال الزمخشري * (على حرف) * على طرف من الدين لا في وسطه وقبله، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة كالذي يكون على طرف من العسكر، فأن أحسن بظفر وغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه انتهى. وخسرانه الدنيا إصابته فيها بما يسوؤه من ذهاب ماله وفقد أحبائه فلم يسلم للقضاء. وخسران الآخرة حيث حرم ثواب من صبر فارتد عن