تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٢٤
لعمرك ما المعتر يغشى بلادنا لنمنعه بالضائع المنهضم * * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
هذه السورة مكية إلا * (هذان خصمان) * إلى تمام ثلاث آيات قاله ابن عباس ومجاهد، وعن ابن عباس أيضا إنهن أربع آيات إلى قوله * (عذاب الحريق) * وقال الضحاك: هي مدنية. وقال قتادة: إلا من قوله * (وما أرسلنا من قبلك من رسول * إلى عذاب * مقيم) *. وقال الجمهور: منها مكي ومنها مدني.
ومناسبة أولهذه السورة لما قبلها أنه ذكر تعالى حال الأشقياء والسعداء وذكر الفزع الأكبر وهو ما يقول يوم القيامة، وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد وكذبوه بسبب تأخر العذاب عنهم. نزلت هذه السورة تحذيرا لهم وتخويفا لما انطوت عليه من ذكر زلزلة الساعة وشدة هولها، وذكر ما أعد لمنكرها وتنبيههم على البعث بتطويرهم في خلقهم، وبهمود الأرض واهتزازها بعد بالنبات، والظاهر أن قوله * (يذهبكم أيها الناس) * عام. وقيل: المراد أهل مكة، ونبه تعالى على سبب اتقائه وهو ما يؤول إليه من أهوال الساعة وهو على حذف مضاف أي * (اتقوا) * عذاب * (ربكم) *، والزلزلة الحركة المزعجة وهي عند النفخة الأولى. وقيل: عند الثانية. وقيل: عند قول الله يا آدم ابعث بعث النار. وقال الجمهور: في الدنيا آخر الزمان ويتبعها طلوع الشمس من مغربها. وعن الحسن: يوم القيامة. وعن علقمة والشعبي: عند طلوع الشمس من مغربها، وأضيفت إلى الساعة لأنها من أشراطها، والمصدر مضاف للفاعل فالمفعول المحذوف وهو الأرض يدل عليه * (إذا زلزلت الارض زلزالها) * والناس ونسبة الزلزلة إلى * (الساعة) * مجاز، ويجوز أن يضاف إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف، فتكون * (الساعة) * مفعولا بها وعلى هذه التقادير يكون ثم * (زلزلة) * حقيقة.
وقال الحسن: أشد الزلزال ما يكون مع قيام الساعة. وقيل: الزلزلة استعارة، والمراد أشد الساعة وأهوال يوم القيامة و * (شىء) * هنا يدل على إطلاقه على المعدوم لأن الزلزلة لم تقع بعد، ومن منع إيقاعه على المعدوم قال: جعل الزلزلة شيئا لتيقن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود.
وذكر تعالى أهول الصفات في قوله * (ترونها) * الآية لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوروها بعقولهم ليكون ذلك حاملا على تقواه تعالى إذ لا نجاة من تلك الشدائد إلا بالتقوى. وروي أن هاتين الآيتين نزلتا ليلا في غزوة بني المصطلق فقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدرا، وكانوا من بين حزين باك ومفكر. والناصب ليوم * (تذهل) * والظاهر أن الضمير المنصوب في * (ترونها) * عائدا على الزلزلة لأنها المحدث عنها، ويدل على ذلك وجود ذهول المرضعة ووضع الحمل هذا إذا أريد الحقيقة وهي الأصل، ويكون ذلك في الدنيا. وعن الحسن * (تذهل) * المرضعة عن ولدها لغير فطام * (وتضع) * الحامل ما في بطنها لغير تمام. وقالت فرقة: الضمير يعود على * (الساعة ) * فيكون الذهول والوضع عبارة عن شدة الهول في ذلك اليوم، ولا ذهول ولا وضع هناك كقولهم: يوم يشيب فيه الوليد. وجاء
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»