تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٠٠
اسمية لكونها أثبت كأنهم حكموا عليه بأنه لاعب هازل في مقالته لهم ولكونها فاصلة.
ثم أضرب عن قولهم وأخبر عن الجد وأن المالك لهم والمستحق العبادة هو ربهم ورب هذا العالم العلوي والعالم السفلي المندرج فيه أنتم ومعبوداتكم نبه على الموجب للعبادة وهو منشىء هذا العالم ومخترعه من العدم الصرف. والظاهر أن الضمير في * (فطرهن) * عائد على السماوات والأرض، ولما لم تكن السماوات والأرض تبلغ في العدد الكثير منه جاء الضمير ضمير القلة. وقيل في * (فطرهن) * عائد على التماثيل. قال الزمخشري: وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم وأثبت للاحتجاج عليهم انتهى. وقال ابن عطية: * (فطرهن) * عبارة عنها كأنها تعقل، هذه من حيث لها طاعة وانقياد وقد وصفت في مواضع بما يوصف به من يعقل. وقال غير * (فطرهن) * أعاد ضمير من يعقل لما صدر منهن من الأحوال التي تدل على أنها من قبيل من يعقل، فإن الله أخبر بقوله * (قالتا أتينا طائعين) * وقوله صلى الله عليه وسلم): (أطلت السماء وحق لها أن تئط). انتهى. وكأن ابن عطية وهذا القائل تخيلا أن هن من الضمائر التي تخص من يعقل من المؤنثات وليس كذلك بل هو لفظ مشترك بين من يعقل وما لا يعقل من المؤنث المجموع ومن ذلك قوله * (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * والضمير عائد على الأربعة الحرم، والإشارة بقوله: * (ذالكم) * إلى ربوبيته تعالى ووصفه بالاختراع لهذا العالم و * (من) * للتبعيض أي الذين يشهدون بالربوبية كثيرون، وأنا بعض منهم أي ما قلته أمر مفروغ منه عليه شهود كثيرون فهو مقال مصحح بالشهود. و * (على ذالكم) * متعلق بمحذوف تقديره * (وأنا) * شاهد * (على ذالكم من الشاهدين) * أو على جهة البيان أي أعني * (على ذالكم) * أو باسم الفاعل وإن كان في صلة أل لاتساعهم في الظرف والمجرور أقوال تقدمت في * (إني لكما لمن الناصحين) * وبادرهم أولا بالقول المنبه على دلالة العقل فلم ينتفعوا بالقول، فانتقل إلى القول الدال على الفعل الذي مآله إلى الدلالة التامة على عدم الفائدة في عبارة ما يتسلط عليه بالكسر والتقطيع وهو لا يدفع ولا يضر ولا ينفع ولا يشعر بما ورد عليه من فك أجزائه فقال: * (وتالله لاكيدن أصنامكم) * وقرأ الجمهور * (وتالله) * بالتاء. وقرأ معاذ بن جبل وأحمد بن حنبل بالله بالباء بواحدة من أسفل. قال الزمخشري: فإن قلت: ما الفرق بين التاء والباء؟ قلت: إن الباء هي الأصل والتاء بدل من الواو المبدل منها، وإن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب، كأنه تعجب من تسهل الكيد على يبده وتأتيه لأن ذلك كان أمرا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره، ولعمري إن مثله صعب متعذر في كل زمان خصوصا في زمن نمروذ مع عتوه واستكبار وقوة سلطانه وتهالكه على نصر دينه ولكن.
إذا الله سنى عقد شيء تيسرا انتهى. أما قوله الباء هي الأصل إنما كانت أصلا لأنها أوسع حروف القسم إذ تدخل على الظاهر، والمضمر ويصرح بفعل القسم معها وتحذف وأما أن التاء بدل من واو القسم الذي أبدل من باء القسم فشئ قاله كثير من النحاة، ولا يقوم على ذلك دليل وقدر هذا القول السهيلي والذي يقتضيه النظر أنه ليس شيء منها أصفلا لآخر. وأما قوله: إن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب فنصوص النحاة أن التاء يجوز أن يكون معها تعجب، ويجوز أن لا يكون واللام هي التي يلزمها التعجب في القسم.
والكيد الاحتيال في وصول الضرر إلى المكيد، والظاهر أن هذه الجملة خاطب بها أباه
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»