تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٨١
للمفعول، والأعرج بالتاء من فوق. وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق وعيسى بالياء من تحت مبينا للفاعل على وحكى عنهم الداني بالتاء.
* (واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لابيه ياأبت صديقا نبيا * إذ قال لابيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا * ياأبت إنى قد جاءنى من العلم ما لم يأتك فاتبعنى أهدك صراطا سويا * ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمان عصيا * ياأبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا * قال أراغب أنت عن الهتى ياإبراهيم لئن لم تنته لارجمنك واهجرنى مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بى حفيا * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا * فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا * ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا) *.
* (واذكر) * خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم)، والمراد أتل عليهم نبأ * (إبراهيم) * وذاكره ومورده في التنزيل هو الله تعالى، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة مريم وابنها عيسى واختلاف الأحزاب فيهما وعبادتهما من دون الله، وكانا من قبيل من قامت بهما الحياة ذكر الفريق الضال الذي عبد جمادا والفرى قان وإن اشتركا في الضلال، والفريق العابد الجماد أضل ثم ذكر قصة إبراهيم مع أبيه عليه السلام تذكيرا للعرب بما كان إبراهيم عليه من توحيد الله وتبيين أنهم سالكو غير طريقه، وفيه صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيما أخبر به وأن ذلك متلقى بالوحي والصديق من أبنية المبالغة وهو مبني من الثلاثي للمبالغة أي كثير الصدق، والصدق عرفه في اللسان ويقابله الكذب، وقد يستعمل في الأفعال والخلق وفيما لا يعقل يقال: صدقني الطعام كذا وكذا قفيزا، وعود صدق للصلب الجيد فوصف إبراهيم بالصدق على العموم في أقواله وأفعاله، والصديقية مراتب ألا ترى إلى وصف المؤمنين بها في قوله * (من النبيين والصديقين) * ومن غريب النقل ما ذهب إليه بعض النحويين من أن فعيلا إذا كان من متعد جاز أن يعمل فتقول هذا شريب مسكر كما أعملوا عند البصريين فعولا وفعالا ومفعالا.
وقال الزمخشري: والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله، وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل أي كان مصدقا لجميع الأنبياء وكتبهم وكان * (نبيا) * في نفسه لقوله تعالى * (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) * وكان بليغ في الصدق لأن ملاك أمر النبوة الصدق ومصدق الله بآياته ومعجزاته حري أن يكون كذلك، وهذه الجملة وقعت اعتراضا بين المبدل منه وبدله أعني * (إبراهيم) *.
و * (إذ قال) * نحو قولك: رأيت زيدا ونعم الرجل أخاك، ويجوز أن تتعلق * (إذ) * بكان أو ب * (صديقا نبيا) * أي كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»