تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٧٨
ويجلس على التراب حيث جنه الليل لا مسكن له، وكان يقول: سلوني فإني لين القلب صغير في نفسي، والألف واللام في * (والسلام) * للجنس. قال الزمخشري: هذا التعريف تعريض بلعنة متهمي مريم وأعدائهما من اليهود، وحقيقته أن اللام للجنس فإذا قال: وجنس السلام على خاصة فقد عرض بأن ضده عليكم، ونظيره * (والسلام على من اتبع الهدى) * يعني إن العذاب على من كذب وتولى، وكان المقام مقام مناكرة وعناد فهو مئنة لنحو هذا من التعريض. وقيل: أل لتعريف المنكر في قصة يحيى في قوله * (وسلام) * نحو * (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) * فعصى فرعون الرسول أي وذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلي. وسبق القول في تخصيص هذه المواطن.
وقرأ زيد بن علي * (يوم ولدت) * أي يوم ولدتني جعله ماضيا لحقته تاء التأنيث ورجح وسلام علي والسلام لكونه من الله وهذا من قول عيسى عليه السلام. وقيل: سلام عيسى أرجح لأنه تعالى أقامه في ذلك مقام نفسه فسلم نائبا عن الله.
2 (* (ذالك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم * فاختلف الا حزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم * أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لاكن الظالمون اليوم فى ضلال مبين * وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الا مر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون * إنا نحن نرث الا رض ومن عليها وإلينا يرجعون) *)) 2 * (ذالك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم * فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم * أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لاكن الظالمون اليوم فى ضلال مبين * وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الامر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون * إنا نحن نرث الارض ومن عليها وإلينا يرجعون) *.
الإشارة بذلك إلى المولود الذي ولدته مريم المتصف بتلك الأوصاف الجميلة، و * (ذالك) * مبتدأ و * (عيسى) * خبره و * (ابن مريم) * صفة لعيسى أو خبر بعد خبر أو بدل، والمقصود ثبوت بنوته من مريم خاصة من غير أب فليس بابن له كما يزعم النصارى ولا لغير رشدة كما يزعم اليهود. وقرأ زيد بن علي وابن عامر وعاصم وحمزة وابن أبي إسحاق والحسن ويعقوب * (قول الحق) * بنصب اللام، وانتصابه على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي هذه الأخبار عن * (عيسى) * أنه * (ابن مريم) * ثابت صدق ليس منسوبا لغيرها، أي إنها ولدته من غير مس بشر كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل، أي أقول * (الحق) * وأقول قول * (الحق) * فيكون * (الحق) * هنا الصدق وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أي القول * (الحق) * كما قال * (وعد الصدق) * أي الوعد الصدق وإن عنى به الله تعالى كان القول مرادا به الكلمة كما قالوا كلمة الله كان انتصابه على المدح وعلى هذا تكون الذي صفة للقول، وعلى الوجه الأول تكون * (الذى) * صفة للحق.
وقرأ الجمهور * (قول) * برفع اللام. وقرأ ابن مسعود والأعمش قال بألف ورفع اللام. وقرأ الحسن * (قول) * بضم القاف ورفع اللام وهي مصادر كالرهب والرهب والرهب وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو أي نسبته إلى أمه فقط * (قول الحق) * فتتفق إذ ذاك قراءة النصب وقراءة الرفع في المعنى.
وقال الزمخشري: وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو بدل انتهى. وهذا الذي ذكر لا يكون إلا على المجاز في قول وهو أن يراد به كلمة الله لأن
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»