تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٨٠
الرابع وأتبعته الإسرائيلية. وقال الرابع: عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فاتبعته فرقة من بني إسرائيل ثم اقتتل الأربعة، فغلب المؤمنون وظهرت اليعقوبية على الجميع فروي أن في ذلك نزلت * (إن الذين يكفرون بآيات الله) * آية آل عمران، والأربعة يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل.
وبين هنا أصله ظرف استعمل اسما بدخول * (من) * عليه. وقيل: * (من) * زائدة. وقيل البين هنا البعد أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق. و * (مشهد) * مفعل من الشهود وهو الحضور أو من الشهادة ويكون مصدرا ومكانا وزمانا، فمن الشهود يجوز أن يكون المعنى من شهود هول الحساب والجزاء في يوم القيامة، وإن يكون من مكان الشهود فيه وهو الموقف، وأن يكون من وقت الشهود ومن الشهادة، يجوز أن يكون المعنى من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر، وأن يكون من مكان الشهادة، وأن يكون من وقت الشهادة واليوم العظيم على هذه الاحتمالات يوم القيامة. وعن قتادة: هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف الأحزاب وقيل ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم اختلافهم، وتقدم الكلام على التعجب الوارد من الله في قوله تعالى * (فما أصبرهم على النار) * وأنه لا يوصف بالتعجب.
قال الحسن وقتادة: لئن كانوا صما وبكما عن الحق فما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، ولكنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم السمع ولا البصر. وعن ابن عباس أنهم أسمع شيء وأبصره. وقال علي بن عيسى: هو وعيد وتهديد أي سوف يسمعون ما يخلع قلوبهم، ويبصرون ما يسود وجوههم. وعن أبي العالية: إنه أمر حقيقة للرسول أي * (أسمع) * الناس اليوم وأبصرهم * (بهم) * وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب إذا أتوا محشورين مغلولين * (لاكن الظالمون) * عموم يندرج فيه هؤلاء الأحزاب الكفارة وغيرهم من الظالمين، و * (اليوم) * أي في دار الدنيا. وقال الزمخشري: أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعارا بأن لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ويسعدهم، والمراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع انتهى.
* (وأنذرهم) * خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم) والضمير لجميع الناس. وقيل: يعود على الظالمين. و * (يوم الحسرة) * يوم ذبح الموت وفيه حديث. وعن ابن زيد: يوم القيامة. وقيل: حين يصدر الفريقان إلى الجنة والنار وعن ابن مسعود: حين يرى الكفارة مقاعدهم التي فاتتهم من الجنة لو كانوا مؤمنين. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون * (يوم الحسرة) * اسم جنس لأن هذه حسرات كثيرة في مواطن عدة، ومنها يوم الموت، ومنها وقت أخذ الكتاب بالشمال وغير ذلك انتهى.
و * (إذ) * بد من * (يوم الحسرة) *. قال السدي وابن جريج: * (قضى الامر) * ذبح الموت. وقال مقاتل: قضى العذاب. وقال ابن الأنباري المعنى * (إذ قضى الامر) * الذي فيه هلاككم. وقال الضحاك: يكون ذلك إذا برزت جهنم ورمت بالشرر. وعن ابن جريج أيضا: إذا فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. وقيل * (إذا * قال * اخسئوا فيها ولا تكلمون) *. وقيل: إذا يقال * (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) * وقيل: إذا قضى سد باب التوبة وذلك حين تطلع الشمس من مغربها.
* (وهم فى غفلة) *. قال الزمخشري: متعلق بقوله * (فى ضلال مبين) * عن الحسن * (وأنذرهم) * إعراض وهو متعلق بأنذرهم أي * (وأنذرهم) * على هذه الحال غافلين غير مؤمنين. وقال ابن عطية: * (وهم فى غفلة) * يريد في الدنيا الآن * (وهم لا يؤمنون) * كذلك انتهى. وعلى هذا يكون حالا والعامل فيه * (وأنذرهم) * والمعنى أنهم مشتغلون بأمور دنياهم معرضون عما يراد منهم، والظاهر أن يكون المراد بقوله * (وقضى الامر) * أمر يوم القيامة.
* (إنا نحن نرث الارض ومن عليها) * تجوز وعبارة عن فناء المخلوقات وبقاء الخالق فكأنها وراثة. وقرأ الجمهور * (يرجعون) * بالياء من تحت مبنيا
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»