زكريا. ويروى أنهم لما أشاروا إلى الطفل قالوا: استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها على جهة الإنكار والتهكم بها أي إن من كان في المهد يربي لا يكلم، وإنما أشارت إليه لما تقدم لها من وعده أنه يجيبهم عنها ويغنيها عن الكلام. وقيل: بوحي من الله إليها. و * (كان) * قال أبو عبيدة: زائدة. وقيل: تامة وينتصب * (صبيا) * على الحال في هذين القولين، والظاهر أنها ناقصة فتكون بمعنى صار أو تبقى على مدلولها من اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي، ولا يدل ذلك على الانقطاع كما لم يدل في قوله * (وكان الله غفورا رحيما) * وفي قوله * (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة) * والمعنى * (كان) * وهو الآن على ما كان، ولذلك عبر بعض أصحابنا عن * (كان) * هذه بأنها ترادف لم يزل وما رد به ابن الأنباري كونها زائدة من أن الزائدة لا خبر لها، وهذه نصبت * (صبيا) * خبرا لها ليس بشيء لأنه إذ ذاك ينتصب على الحال، والعامل فيها الاستقرار.
وقال الزمخشري: كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبه خاصة والدال عليه معنى الكلام وأنه مسوق للتعجب، ووجه آخر أن يكون * (نكلم) * حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس * (صبيا) *.
* (فى المهد صبيا) * فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا انتهى. والظاهر أن * (من) * مفعول بنكلم. ونقل عن الفراء والزجاج أن * (من) * شرطية و * (كان) * في معنى يكن وجواب الشرط محذوف تقديره فكيف * (نكلم) * وهو قول بعيد جدا. وعن قتادة أن * (المهد) * حجر أمه. وقيل: سريره. وقيل: المكان الذي يستقر عليه. وروي أنه قام متكئا على يساره وأشار إليهم بسبابته اليمني، وأنطقه الله تعالى أولا بقوله * (قال إنى عبد الله ءاتانى) * ردا للوهم الذي ذهبت إليه النصارى.
وفي قوله * (عبد الله) * والجمل التي بعده تنبيه على براءة أمه مما اتهمت به لأنه تعالى لا يخص بولد موصوف بالنبوة والخلال الحميدة إلا مبرأة مصطفاة و * (الكتاب) * الإنجيل أو التوراة أو مجموعهما أقوال. وظاهر قوله * (وجعلنى نبيا) * أنه تعالى نبأه حال طفوليته أكمل الله عقله واستنبأه طفلا. وقيل: إن ذلك سبق في قضائه وسابق حكمه، ويحتمل أن يجعل الآتي لتحققه كأنه قد وجد * (وجعلنى مباركا) * قال مجاهد: نفاعا. وقال سفيان: معلم خير. وقيل: آمرا بمعروف، ناهيا عن منكر. وعن الضحاك: قضاء للحوائج * (ولو كنت) * شرط وجزاؤه محذوف تقديره * (وجعلنى مباركا) * وحذف لدلالة ما تقدم عليه، ولا يجوز أن يكون معمولا لجعلني السابق لأن * (أين) * لا يكون إلا استفهاما أو شرطا لا جائز أن يكون هنا استفهاما، فتعينت الشرطية واسم الشرط لا ينصبه فعل قبله إنما هو معمول للفعل الذي يليه، والظاهر حمل الصلاة والزكاة على ما شرع في البدن والمال. وقيل: * (الزكواة) * زكاة الرؤوس في الفطر. وقيل الصلاة الدعاء، و * (الزكواة) * التطهر.
و * (ما) * في * (ما دمت) * مصدرية ظرفية. وقال ابن عطية. وقرأ * (دمت) * بضم الدال عاصم وجماعة. وقرأ * (دمت) * بكسر الدال أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو وانتهى والذي في كتب القراءات أن القراء السبعة قرؤوا * (دمت حيا) * بضم الدال، وقد طالعنا جملة من الشواذ فلم نجدها لا في شواذ السبعة ولا في شواذ غيرهم على أنها لغة تقول * (دمت) * تدام كما قالوا مت تمات، وسبق أنه قرىء * (وبرا) * بكسر الباء فإما على حذف مضاف أي وذا بر، وإما على المبالغة جعل ذاته من فرط بره، ويجوز أن يضمر فعل في معنى أوصاني وهو كلفني لأن أوصاني بالصلاة وكلفنيها واحد، ومن قرأ * (وبرا) * بفتح الباء فقال الحوفي وأبو البقاء: إنه معطوف على * (مباركا) * وفيه بعد للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجملة التي هي * (* أوصاني) * ومتعلقها، والأولى إضمار فعل أي وجعلني * (* برا) *. وحكى الزهراوي وأبو البقاء أنه قرىء وبر بكسر الباء والراء عطفا على * (نبيا وجعلنى مباركا) *.
وقوله: * (بوالدتى) * بيان محل البر وأنه لا والد له، وبهذا القول برأها قومها. والجبار كما تقدم المتعاظم وكان في غاية التواضع يأكل الشجر ويلبس الشعر