تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٨٩
من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخيط، وكان خياطا وكانوا قبل يلبسون الجلود، وأول مرسل بعد آدم وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل. وقال ابن مسعود: هو إلياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إلاه إلا الله ويعملوا ما شاؤوا فأبوا وأهلكوا. و * (إدريس) * اسم أعجمي منع من الصرف للعلمية والعجمة، ولا جائز أن يكون إفعيلا من الدرس كما قال بعضهم لأنه كان يجب صرفه إذ ليس فيه إلا سبب واحد وهو العلمية.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون معنى * (إدريس) * في تلك اللغة قريبا من ذلك أي من معنى الدرس، فحسبه القائل مشتقا من الدرس. والمكان العلي شرف النبوة والزلفى عند الله، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة انتهى. وقاله جماعة وهو رفع النبوة والتشريف والمنزلة في السماء كسائر الأنبياء. وقيل: بل رفع إلى السماء. قال ابن عباس: كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة، فلقي هنالك ملك الموت فقال له: إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح إدريس وإتي لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد: هذا إدريس معي فقبض روحه. وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس. وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة وأنس يقتضي أنه في السماء الرابعة. وعن الحسن: إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة. وقال قتادة: يعبد الله مع الملائكة في السماء السابعة، وتارة يرفع في الجنة حيث شاء. وقال مقاتل: هو ميت في السماء.
* (أولائك) * إشارة إلى من تقدم ذكره في هذه السورة من الأنبياء و * (من) * في * (من النبيين) * للبيان، لأن جميع الأنبياء منعم عليهم و * (من) * الثانية للتبعيض، وكان إدريس * (من ذرية * ءادم) * لقربه منه لأنه جد أبي نوح وإبراهيم من ذرية من حمل من نوح، لأنه من ولد سام بن نوح * (ومن ذرية إبراهيم) * إسحاق وإسماعيل ويعقوب وإسرائيل معطوف على إبراهيم، وزكريا ويحيى وموسى وهارون من ذرية إسرائيل، وكذلك عيسى لأن مريم من ذريته.
* (وممن هدينا) * يحتمل العطف على * (من) * الأولى أو الثانية، والظاهر أن * (الذين) * خبر لأولئك. * (وإذا تتلى) * كلام مستأنف، ويجوز أن يكون * (الذين) * صفة لأولئك والجملة الشرطية خبر. وقرأ الجمهور * (تتلى) * بتاء التأنيث. وقرأ عبد الله وأبو جعفر وشيبة وشبل بن عباد وأبو حيوة وعبد الله بن أحمد العجلي عن حمزة وقتيبة في رواية وورش في رواية النحاس، وابن ذكوان في رواية التغلي بالياء. وانتصب * (سجدا) * على الحال المقدرة قاله الزجاج لأنه حال خروره لا يكون ساجدا، والبكي جمع باك كشاهد وشهود، ولا يحفظ فيه جمعه المقيس وهو فعلة كرام ورماة والقياس يقتضيه.
وقرأ الجمهور * (* بكيا) * بضم الباء وعبد الله ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي بكسرها اتباعا لحركة الكاف كعصي ودلي، والذي يظهر أنه جمع لمناسبة الجمع قبله. قيل: ويجوز أن يكون مصدر البكا بمعنى بمكاء، وأصله بكو وكجلس جلوسا. وقال ابن عطية: و * (* بكيا) * بكسر الباء وهو مصدر لا يحتمل غير ذلك انتهى. وقوله ليس بسديد لأن اتباع حركة الكاف لا تعين المصدرية، ألا تراهم قروؤا * (جهنم جثيا) * بكسر الجيم جمع جاث، وقالوا عصي فاتبعوا.
* (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون * شيئا * جنات عدن التى وعد الرحمان عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا * لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا * تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا * وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذالك وما كان ربك نسيا * رب) *.
نزل * (فخلف) * في اليهود عن ابن عباس ومقاتل، وفيهم وفي النصارى عن السدي، وفي قوم من أمة الرسول يأتون عند ذهاب صالحيها يتبارزون بالزنا ينزو في الأزقة بعضهم على بعض عن مجاهد وقتادة وعطاء ومحمد بن كعب القرظي. وعن وهب: هم شرابو القهوة،
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»