تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٧٣
والنفض. قال الفراء نسي ونسي لغتان كالوتر والوتر والفتح أحب إلي. وقال أبو علي الفارسي الكسر أعلى اللغتين. وقال ابن الأنباري: من كسر فهو اسم لما ينسى كالنقض اسم لما ينقض، ومنه فتح فمصدر نائب عن اسم كما يقال: رجل دنف ودنف والمكسور هو الوصف الصحيح والمفتوح مصدر يسد مسد الوصف، ويمكن أن يكونا لمعنى كالرطل والرطل والإشارة بقوله هذا إلى الحمل.
وقيل: * (قبل هاذا) * اليوم أو * (قبل هاذا) * الأمر الذي جرى: وقرأ الأعمش وأبو جعفر في رواية * (منسيا) * بكسر الميم اتباعا لحركة السين كما قالوا منتن باتباع حركة الميم لحركة التاء. وقيل: تمنت ذلك لما لحقها من فرط الحياء على حكم العادة البشرية لا كراهة لحكم الله أو لشدة التكليف عليها إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة، وبضد ما قربت من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام لأنه مقام دحض قلما تثبت عليه الأقدام، أو لحزنها على الناس أو يأثم الناس بسببها. وروي أنها سمعت نداء أخرج يا من يعبد من دون الله فحزنت و * (قالت ياأيها * ليتنى * مت) *. وقال وهب: أنساها كرب الولادة وما سمعت من الناس بشارة الملائكة بعيسى.
وقرأ زر وعلقمة فخاطبها مكان * (فناداها) * وينبغي أن يكون تفسيرا لا قراءة لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه، والمنادي الظاهر أنه عيسى أي فولدته فأنطقه الله وناداها أي حالة الوضع. وقيل: جبريل وكان في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت عليها وقاله الحسن وأقسم على ذلك. قيل: وكان يقبل الولد كالقابلة. وقرأ ابن عباس * (فناداها) * ملك * (من تحتها) *. وقرأ البراء بن عازب وابن عباس والحسن وزيد بن علي والضحاك وعمرو بن ميمون ونافع وحمزة والكسائي وحفص * (من) * حرف جر. وقرأ الابنان والأبوان وعاصم وزر ومجاهد والجحدري والحسن وابن عباس في رواية عنهما * (من) * بفتح الميم بمعنى الذي و * (تحتها) * ظرف منصوب صلة لمن، وهو عيسى أي ناداها المولود قاله أبي والحسن وابن جبير ومجاهد و * (ءان) * حرف تفسير أي * (لا * تحزنى) * والسري في قول الجمهور الجدول. وقال الحسن وابن زيد وقتادة عظيما من الرجال له شأن. وروي أن الحسن فسر الآية فقال: أجل لقد جعله الله * (سريا) * كريما فقال حميد بن عبد الرحمن: يا أبا سعيد إنما يعني بالسري الجدول، فقال الحسن لهذه وأشباهها أحب قربك، ولكن غلبنا الأمراء.
ثم أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع. وقالت فرقة: بل كانت النخلة مطعمة رطبا. وقال السدي: كان الجذع مقطوعا وأجى تحته النهر لجنبه، والظاهر أن المكلم هو عيسى وأن الجذع كان يابسا وعلى هذا ظهرت لها آيات تسكن إليها وحزنها لم يكن لفقد الطعام والشراب حتى تتسلى بالأكل والشرب، ولكن لما ظهر في ذلك من خرق العادة حتى يتبين لقومها أن ولادتها من غير فحل ليس ببدع من شأنها. قال ابن عباس: كان جذعا نخرا فلما هزت إذ السعف قد طلع ثم نظرت إلى الطلع يخرج من بين السعف، ثم اخضر فصار بلحا، ثم احمر فصار زهوا ثم رطبا كل ذلك في طرفة عين، فجعل الرطب يقع من بين يديها لا يتسرح منه شيء. وإلى حرف بلا خلاف ويتعلق بقوله * (* وهزي) * وهذا جاء على خلاف ما تقرر في علم النحو من أن الفعل لا يتعدى إلى الضمير المتصل، وقد رفع الضمير المتصل وليس من باب ظن ولا فقد ولا علم وهما لمدلول واحد لا يقال: ضربتك ولا زيد ضربه أي ضرب نفسه ولا ضربني إنما يؤتى في مثل هذه التراكيب بالنفس فتقول: ضربت نفسك وزيد ضرب نفسه وضربت نفسي والضمير المجرور عندهم كالضمير المنصوب فلا تقول: هززت إليك ولا زيد هز إليه ولا هززت إلى ولهذا زعموا في قول الشاعر:
* دع عنك نهيا صيح في حجراته * ولكن حديثا ما حدثت الرواحل *
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»