تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٣٩
في الوصل وأمال الكسائي فتحة السين، وفي مصحف عبد الله وقراءته * (أن أذكره) * * (إلا الشيطان) *. وقرأ أبو حيوة: واتخاذ سبيله عطف على المصدر على ضمير المفعول في * (أذكره) * والإشارة بقوله ذلك إلى أمر الحوت وفقده واتخاذه سبيلا في البحر لأنه إمارة الظفر بالطلبة من لقاء ذلك العبد الصالح و * (ما) * موصولة والعائد محذوف أي نبغيه. وقرئ نبغ ياء في الوصل وإثباتها أحسن وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ونافع، وأما الوقف فالأكثر فيه طرح الياء اتباعا لرسم المصحف، وأثبتها في الحالين ابن كثير.
* (فارتدا) * رجعا على أدراجهما من حيث جاءا. * (قصصا) * أي يقصان الأثر * (قصصا) * فانتصب على المصدرية بإضمار يقصان، أو يكون في موضع الحال أي مقتصين فينصب بقوله * (فارتدا) * * (فوجدا) * أي موسى والفتى * (عبدا من عبادنا) * هذه إضافة تشريف واختصاص، وجداه عند الصخرة التي فقد الحوت عندها وهو مسجى في ثوبه مستلقيا على الأرض فقال: السلام عليك فرفع رأسه، وقال: أني بأرضك السلام ثم قال له، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال له: ألم يكن لك في بني إسرائيل ما يشغلك عن السفر إلى هنا؟ قال: بلى، ولكن أحببت لقاءك وأن أتعلم منك، قال له: إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا. والجمهور على أنه الخضر وخالف من لا يعتد بخلافه فزعم أنه عالم آخر.
وقيل: اليسع. وقيل: الياس. وقيل: خضرون ابن قابيل بن آدم عليه السلام. قيل: واسم الخضر بليا بن ملكان، والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن قد أوحيت إليه، وعلم موسى الأحكام والفتيا بالظاهر. وروي أنه وجد قاعدا على ثبج البحر. وفي الحديث سمي خضرا لأنه جلس على فروة بالية فاهتزت تحته خضراء. وقيل: كان إذا صلى اخضر ما حوله. وقيل: جلس على فروة بيضاء وهي الأرض المرتفعة. وقيل: الصلبة واهتزت تحته خضراء. وقيل: كانت أمه رومية وأبوه فارسي. وقيل: كان ابن ملك من الملوك أراد أبوه أن يستخلفه من بعده فلم يقبل منه ولحق بجزائر البحر فطلبه أبوه فلم يقدر عليه. والجمهور على أنه مات.
وقال شرف الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي: أما خضر موسى بن عمران فليس بحي لأنه لو كان حيا للزمه المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم) والإيمان به واتباعه. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (لو كان موسى وعيسى حيين لم يسعهما إلا اتباعي). انتهى هكذا ورد لحديث ومذهب المسلمين أن عيسى حي وأنه ينزل من السماء، ولعل الحديث: (لو كان موسى حيا لم يسعه إلا اتباعي).
والرحمة التي آتاه الله إياها هي الوحي والنبوة. وقيل: الرزق. * (وعلمناه من لدنا علما) * أي من عندنا أي مما يختص بنا من العلم وهو الإخبار عن الغيوب. وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو * (من لدنا) * بتخفيف النون وهي لغة في لدن وهي الأصل.
قيل: وقد أولع كثير ممن ينتمي إلى الصلاح بادعاء هذا العلم ويسمونه العلم اللدني، وأنه يلقي في روع الصالح منهم شيء من ذلك حتى يخبر بأن من كان من أصحابه هو من أهل الجنة على سبيل القطع، وأن بعضهم يرى الخضر. وكان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد يخبر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدثه، فقيل له: من أعلمه أنه الخضر؟ ومن أين عرف ذلك؟ فسكت. وبعضهم يزعم أن الخضرية رتبة يتولاها بعض الصالحين على قدم الخضر، وسمعنا الحديث عن شيخ يقال له عبد الواحد العباسي الحنبلي وكان أصحابه الحنابلة يعتقدون فيه أنه يجتمع بالخضر.
* (قال له موسى) * في الكلام محذوف تقديره فلما التقيا وتراجعا الكلام وهو الذي ورد في الحديث الصحيح * (قال له موسى * اتبعك) * وفي هذا دليل على التواضع للعالم، وفي هذه القصة دليل على الحث على الرحلة في طلب العلم وعلى حسن التلطف والاستنزال والأدب في طلب العلم. بقوله * (هل أتبعك) * وفيه المسافرة مع العالم لاقتباس فوائده، والمعنى هل يخف عليك ويتفق لك وانتصب * (رشدا) * على أنه مفعول ثان لقوله * (* تعلمني) * أو على أنه مصدر في موضع الحال، وذو الحال الضمير في * (نراك اتبعك) *.
وقال
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»