وحكي القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى عليه السلام لما قال للخضر * (أقتلت نفسا) * غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه، وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدا.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل * (السفينة خرقها) * بغير فاء و * (فقتله) * بالفاء؟ قلت: جعل خرقها جزاء للشرط، وجعل قتله من جملة الشرط معطوفا عليه والجزاء قال * (أقتلت) *: فإن قلت: فلم خولف بينهما؟ قلت: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام انتهى.
ومعنى * (زكية) * طاهرة من الذنوب، ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت، قيل أو لأنها صغيره لم تبلغ الحنث. وقوله * (بغير نفس) * يرده ويدل على كبر الغلام وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس. وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد والزهري ونافع واليزيدي وابن مسلم وزيد وابن بكير عن يعقوب والتمار عن رويس عنه وأبو عبيد وابن جبير الأنطاكي وابن كثير وأبو عمرو زاكية بالألف. وقرأ زيد بن علي والحسن والجحدري وابن عامر والكوفيون * (زكية) * بغير ألف وبتشديد الياء وهي أبلغ من زاكية لأن فعيلا المحول من فاعل يدل على المبالغة.
وقرأ الجمهور * (نكرا) * بإسكان الكاف. وقرأ نافع وأبو بكر وابن ذكوان وأبو جعفر وشيبة وطلحة ويعقوب وأبو حاتم برفع الكاف حيث كان منصوبا. والنكر قيل: أقل من الأمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إعراق أهل السفينة. وقيل: معناه شيئا أنكر من الأول، لأن الخرق يمكن سده والقتل لا سبيل إلى تدارك الحياة معه. وفي قوله * (لك) * زجر وإغلاظ ليس في الأول لأن موقعه التساؤل بأنه بعد التقدم إلى ترك السؤال واستعذار موسى بالنسيان أفظع وأفظع في المخالفة لما كان أخذ على نفسه من الصبر وانتفاء العصيان.
* (قال إن سألتك عن شىء بعدها) * أي بعد هذه القصة أو بعد هذه المسألة * (فلا تصاحبنى) * أي فأوقع الفراق بيني وبينك. وقرأ الجمهور * (فلا تصاحبنى) * من باب المفاعلة. وقرأ عيسى ويعقوب فلا تصحبني مضارع صحب وعيسى أيضا بضم التاء وكسر الحاء مضارع أصحب، ورواها سهل عن أبي عمرو أي فلا تصحبني علمك وقدره بعضهم فلا تصحبني إياك وبعضهم نفسك. وقرأ الأعرج بفتح التاء والباء وشد النون. ومعنى * (قد بلغت من لدنى عذرا) * أي قد اعتذرت إلي وبلغت إلى العذر. وقرأ الجمهور * (من لدنى) * بإدغام نون لدن في نون الوقاية التي اتصلت بياء المتكلم. وقرأ نافع وعاصم بتخفيف النون وهي نون لدن اتصلت بياء المتكلم وهو القياس، لأن أصل الأسماء إذا أضيفت إلى ياء المتكلم لم تلحق نون الوقاية نحو غلامي وفرسي، وأشم شعبة الضم في الدال، وروي عن عاصم سكون الدال. قال ابن مجاهد: وهو غلط وكأنه يعني من جهة الرواية، وأما من حيث اللغة فليست بغلط لأن من لغاتها لد بفتح اللام وسكون الدال. وقرأ عيسى * (عذرا) * بضم الذال ورويت عن أبي عمرو وعن أبي عذري بكسر الراء مضافا إلى ياء المتكلم. وفي البخاري قال: (يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما) وأسند الطبري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال: (رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأي العجب) ولكنه قال * (فلا تصاحبنى قد بلغت من لدنى عذرا) *.
والقرية التي أتيا أهلها أنطاكية أو الأبله أو بجزيرة الأندلس وهي الجزيرة الخضراء، أو برقة أو أبو حوران بنا حية أذربيجان، أو ناصرة من أرض الروم أو قرية بأرمينية أقوال مضطربة بحسب اختلافهم في أي ناحية من الأرض كانت قصة والله أعلم بحقيقة ذلك. وفي الحديث أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله تعالى. وتكرر لفظ * (أهل) * على سبيل التوكيد، وقد يظهر له فائدة عن التوكيد وهو أنهما حين * (أتيا أهل * القرية) * لم يأتيا جميع أهل القرية إنما أتيا بضعهم، فلما قال * (استطعما) * احتمل أنهما لم يستطعما إلا ذلك البعض الذي أتياه