تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٠
الخالية: هو أبو بكر بن سمي بن عمير بن إفريقس الحميري، بلغ ملكه مشارق الأرض ومغاربها وهو الذي افتخر به أحد الشعراء من حمير حيث قال:
* قد كان ذو القرنين قبلي مسلما * ملكا علا في الأرض غير مبعد * بلغ المشارف والمغارب يبتغي أسباب ملك من كريم سيد قال أبو الريحان: ويشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلوا أسماؤهم من ذي كذي المنار، وذي يواس انتهى. والشعر الذي أنشده نسب أيضا إلى تبع الحميري وهو.
قد كان ذو القرنين جدي مسلما * وعن علي وابن عباس أن اسمه عبد الله بن الضحاك. وعن محمد بن علي بن الحسين عياش. وعن أبي خيثمة هو الصعب بن جابر بن القلمس. وقيل: مرزبان بن مرزبة اليوناني من ولد يونان بن يافث. وعن علي هو من القرن الأول من ولد يافث بن نوح. وعن الحسن: كان بعد ثمود وكان عمره ألف سنة وستمائة. وعن وهب: كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم.
والخطاب في * (عليكم) * للسائلين إما اليهود وأما قريش على الخلاف الذي سبق في السائلين. وقوله * (ذكرا) * يحتمل أن يريد قرآنا وأن يريد حديثا وخيرا، والتمكين الذي له * (فى الارض) * كونه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلها. قال بعض المفسرين: والدليل على أنه الإسكندر أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب وإلى أقصى المشرق وإلى أقصى الشمال، بدليل أن يأجوج ومأجوج قوم من الترك يسكنون في أقصى الشمال، وهذا الذي بلغه ملك هذا الرجل هو نهاية المعمور من الأرض، ومثل هذا الملك البسيط لا شك أنه على خلاف العادات وما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الدهر، وأن لا يكون مختفيا، والملك الذي اسمه في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا الحد ليس إلا الإسكندر وذلك أنه لما مات أبوه جمع ملك الروم أبوه جمع ملك الروم بعد أن كان مع طوائف ثم قصد ملوك العرب وقهرهم وأمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصر وبنى الإسكندرية وسماها باسم نفسه، ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ثم عطف إلى أرمينية ودان له العراقيون والقبط والبربر، ثم نحو دار ابن دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حربه، واستولى الإسكندر على ممالك الفرس وقصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع إلى العراق ومرض بشهر زور ومات بها.
وورد في الحديث: (إن الذين ملكوا الأرض أربعة مؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين). وقد تقدم ذكر ذلك وثبت في علم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلا الإسكندر فوجب القطع أن المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلفوس اليوناني. وقيل تمكينه في الأرض بالنبوة وإجراء المعجزات. وقيل: تمكينه بأن سخر له السحاب وحمله عليها وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»