والكلام معا يدلان عليه، أما الحال فلأنها كانت حال سفر، وأما الكلام فلأن قوله * (حتى أبلغ مجمع البحرين) * غاية مضروبة تستدعي ما هي غاية له، فلا بد أن يكون المعنى لا يبرح مسيري * (حتى أبلغ) * على أن * (حتى أبلغ) * هو الخبر، فاما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه وهو ضمير المتكلم، فانقلب الفعل عن ضمير الغائب إلى لفظ المتكلم وهو وجه لطيف انتهى. وهما وجهان خلطهما الزمخشري: أما الأول: فجعل الفعل مسندا إلى المتكلم وهو وجه وتقديرا وجعل الخبر محذوفا كما قدره ابن عطية و * (حتى أبلغ) * فضلة متعلقة بالخبر المحذوف وغاية له. والوجه الثاني جعل * (لا أبرح) * مسندا من حيث اللفظ إلى المتكلم، ومن حيث المعنى إلى ذلك المقدر المحذوف وجعله * (لا أبرح) * هو * (حتى أبلغ) * فهو عمدة إذ أصله خبر للمبتدأ لأنه خبر * (أبرح) *.
وقال الزمخشري. أيضا: ويجوز أن يكون المعنى * (لا أبرح) * ما أنا عليه بمعنى ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه * (حتى أبلغ) * كما تقول لا أبرح المكان انتهى. يعني إن برح يكون بمعنى فارق فيتعدى إذ ذاك إلى مفعول ويحتاج هذا إلى صحة نقل، وذكر الطبري عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر، فلما استقرت الحال خطب يوما فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل، ثم ذكر ما هو عليه من أنه لا يعلم أحدا أعلم منه.
قال ابن عطية: وما يرى قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلا في هذا الكلام، وما أراه يصح بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين، وهذا المروي عن ابن عباس ذكره الزمخشري فقال: روي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيبا فذكر نعمة الله، وقال: إن الله اصطفى نبيكم وكلمه فقالوا له: قد علمنا هذا فأي الناس أعلم؟ قال: أنا فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إلى الله فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر، كان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى، وذكر أيضا في أسئلة موسى أنه قال: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر انتهى. وهذا مخالف لما ثبت في الصحيح من أنه قيل له هل أحد أعلم منك؟ قال: لا.
و * (مجمع البحرين) * قال مجاهد وقتادة: هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم. قال ابن عطية: وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول. وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي: هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا. وعن أبي بإفريقية. وقيل: هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء. وقيل: * (مجمع البحرين) * بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر. وقالت فرقة: البحران كناية عن موسى والخضر لأنهما بحر اعلم. وهذا شبيه بتفسير الباطنية وغلاة الصوفية، والأحاديث تدل على أنهما بحرا بماء.
وقال الزمخشري: من بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما كانا بحرين في العلم انتهى. وقيل: بحر القلزم. وقيل: بحر الأزرق. وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسار * (مجمع) * بكسر الميم الثانية والنضر عن ابن مسلم في كلا الحرفين وهو شاذ، وقياسه من يفعل فتح الميم كقراءة الجمهور. والظاهر أن * (مجمع البحرين) * هو اسم مكان جمع البحرين. وقيل: مصدر.
قال ابن عباس: الحقب الدهر. وقال عبد الله بن عمرو وأبو هريرة: ثمانون سنة. وقال الحسن: سبعون. وقيل: سنة بلغة قريش ذكره الفراء. وقيل: وقت غير محدود قاله أبو عبيدة. والظاهر أن قوله * (أو أمضى) * معطوف على * (أبلغ) * فغيا بأحد الأمرين إما ببلوغه المجمع وإما بمضيه * (حقبا) *. وقيل: هي تغيية لقوله * (لا أبرح) * كقولك لا أفارقك أو تقضيني حقي، فالمعنى * (لا أبرح حتى أبلغ