فجيء بلفظ أهلها ليعم جميعهم وأنهم يتبعونهم واحدا واحدا بالاستطعام، ولو كان التركيب استطعماهم لكان عائدا على البعض المأتي.
وقرأ الجمهور * (يضيفوهما) * بالتشديد من ضيف. وقرأ ابن الزبير والحسن وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وعاصم في رواية المفضل وأبان بكسر الضاد وإسكان الياء من أضاف، كما تقول ميل وأمال، وإسناد الإرادة إلى الجدار من المجاز البليغ والاستعارة البارعة وكثيرا ما يوجد في كلام العرب إسناد أشياء تكون من أفعال العقلاء إلى ما لا يعقل من الحيوان وإلى الجماد، أو الحيوان الذي لا يعقل مكان العاقل لكان صادرا منه ذلك الفعل. وقد أكثر الزمخشري وغيره من إيراد الشواهد على ذلك ومن له أدنى مطالعة لكلام العرب لا يحتاج إلى شاهد في ذلك.
قال الزمخشري: ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله ممن لا يعلم كان يجعل الضمير للخضر لأن ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة، فتمحل ليرده إلى ما هو عنده أصح وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز أدخل في الإعجاز انتهى. وما ذكره أهل أصول الفقه عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني من أنه ينكر المجاز في القرآن لعله لا يصح عنه، وكيف يكون ذلك وهو أحد الأدباء الشعراء الفحول المجيدين في النظم والنثر.
وقرأ الجمهور * (ينقض) * أي يسقط من انقضاض الطائر، ووزنه انفعل نحو انجر. قال صاحب اللوامح: من القضة وهي الحصى الصغار، ومنه طعام قضض إذا كان فيه حصى، فعلى هذا * (يريد أن ينقض) * أي يتفتت فيصير حصاة انتهى. وقيل: وزنه أفعل من النقض كأحمر. وقرأ أبي * (ينقض) * بضم الياء وفتح القاف والضاد مبنيا للمفعول من نقضته وهي مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم). وفي حرف عبد الله وقراءة الأعمش يريد لينقض كذلك إلا أنه منصوب بأن المقدرة بعد اللام. وقرأ علي وعكرمة وأبو شيخ خيوان بن خلالد الهنائي وخليد بن سعد ويحيى بن يعمر ينقاص بالصاد غير معجمة مع الألف، ووزنه ينفعل اللازم من قاص يقيص إذا كسرته تقول: قصيته فانقاص. قال ابن خالويه: وتقول العرب انقاصت السن إذا انشقت طولا. قال ذو الرمة: منقاص ومنكثب. وقيل: إذا تصدعت كيف كان. ومنه قول أبي ذؤيب:
* فراق كقص السن فالصبر إنه * لكل أناس عشرة وحبور * وقرأ الزهري: ينقاض بألف وضاد معجمة وهي من قولهم: قضته معجمة فانقاض أي هدمته فانهدم. قال أبو علي: والمشهور عن الزهري بصاد غير معجمة.
* (فأقامه) * الظاهر أنه لم يهدمه وبناه كما ذهب إليه بعضهم من أنه هدمه وقعد يبنيه. ووقع هذا في مصحف عبد الله وأيد بقوله * (لاتخذت عليه أجرا) * لأن بناءه بعد هدمه يستحق عليه أجرا. وقال ابن جبير: مسحه بيده وأقامه فقام. وقيل: أقامه بعمود عمده به. وقال مقاتل: سواه بالشيد أي لبسه به وهو الجيار. وعن ابن عباس: دفعه بيده فاستقام وهذا أليق بحال الأنبياء. قال الزمخشري: كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيا، فلما أقام الجدار لم يتمالك