ذلك أنه ضري بمشاهدة أمثاله عند موسى من العجائب، واستأنس بأخواته فأعان الإلف على قلة الاهتمام انتهى. قال أبو بكر غالب بن عطية والداني عبد الحق المفسر: سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظة: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم.
وقال الزمخشري: * (أرأيت) * بمعنى أخبرني فإن قلت: فما وجه التئام هذا الكلام فإن كل واحد من * (أرأيت) * و * (إذ أوينا) * و * (فإنى نسيت الحوت) * لا متعلق له؟ قلت: لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك، كأنه قال: * (أرأيت) * ما دهاني * (إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت) * فحذف ذلك انتهى. وكون أرأيتك بمعنى أخبرني ذكره سيبويه: وقد أمعنا الكلام في ذلك في سورة الأنعام وفي شرحنا لكتاب التسهيل.
وأما ما يختص بأرأيت في هذا الموضع فقال أبو الحسن الأخفش: إن العرب أخرجتها عن معناها بالكلية فقالوا: أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة إذا كانت بمعنى أخبرني، وإذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها قال: وشذت أيضا فألزمتها الخطاب على هذا المعنى، ولا تقول فيها أبدا أراني زيد عمرا ما صنع، وتقول هذا على معنى أعلم. وشذت أيضا فأخرجتها عن موضعها بالكلية بدليل دخول الفاء ألا ترى قوله * (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت) * فما دخلت الفاء إلا وقد أخرجت لمعنى إما أو تنبه، والمعنى أما * (إذ أوينا إلى الصخرة) * فالأمر كذا، وقد أخرجتها أيضا إلى معنى أخبرني كما قدمنا، وإذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام، وقد يخرج لمعنى أما ويكون أبدا بعدها الشرط وظرف الزمان فقوله * (فإنى نسيت الحوت) *) * معناه أما * (*) * معناه أما * (إذ أوينا) * * (فإنى نسيت الحوت) * أو تنبه * (إذ أوينا) * وليست الفاء إلا جوابا لأرأيت، لأن إذ لا يصح أن يجازي بها إلا مقرونة بما بلا خلاف انتهى كلام الأخفش. وفيه إن * (أرأيت) * إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام وهذان مفقود إن في تقدير الزمخشري * (أرأيت) * هنا بمعنى أخبرني، ومعنى * (نسيت الحوت) * نسيت ذكر ما جرى فيه لك.
وفي قوله * (وما أنسانيه إلا الشيطان) * حسن أدب سبب النسيان إلى المتسبب فيه بوسوسته و * (أن أذكره) * بدل اشتمال من الضمير العائد على الحوت، والظاهر أن الضمير في * (واتخذ سبيله فى البحر عجبا) * عائد على الحوت كما عاد في قوله * (واتخذ سبيله فى البحر * سربا) * وهو من كلام يوشع. وقيل: الضمير عائد على موسى أي اتخذ موسى. ومعنى * (عجبا) * أي تعجب من ذلك أو اتخاذا * (عجبا) * وهو أن أثره بقي إلى حيث سار. وقدره الزمخشري * (سبيله) * * (عجبا) * وهو كونه شبيه السرب قال: أو قال * (عجبا) * في آخر كلام تعجبا من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها، أو مما رأى من المعجزتين وقوله: * (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) * اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. وقيل: إن * (عجبا) * حكاية لتعجب موسى وليس بذلك انتهى.
وقال ابن عطية: * (واتخذ سبيله فى البحر عجبا) * يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى أي اتخذ الحوت سبيلا عجبا للناس، ويحتمل أن يكون قوله * (واتخذ سبيله فى البحر) * تمام الخبر ثم استأنف التعجب فقال من قبل نفسه * (عجبا) * لهذا الأمر، وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأكل شقه ثم حيي بعد ذلك.
قال أبو شجاع في كتاب الطبري رأيته أتيت به فإذا هو شق حوت وعين واحدة وشق آخر ليس فيه شي. قال ابن عطية: وأنا رأيته والشق الذي فيه شي عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة، ويحتمل أن يكون * (واتخذ سبيله) * الآية إخبارا من الله تعالى وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر * (عجبا) * أي تعجب منه، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله * (عجبا) * للناس انتهى. وقرأ حفص: * (وما أنسانيه) * بضم الهاء وفي الفتح عليه الله وذلك