وبكاء كثيرا. وهذا من المواضع التي يحذف فيها المنعوت، ويقوم نعته مقامه، وذلك لدلالة الفعل عليه. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكونا نعتا لظرف محذوف أي: زمانا قليلا، وزمانا كثيرا انتهى. والأول أجود، لأن دلالة الفعل على المصدر بحروفه ودلالته على الزمان بهيئته، فدلالته على المصدر أقوى. وانتصب جزاء على أنه مفعول لأجله، وهو متعلق بقوله: وليبكوا كثيرا.
* (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم) *: الخطاب للرسول والمعنى: فإن رجعك الله من سفرك هذا وهو غزوة تبوك. قيل: ودخول إن هنا وهي للمكن وقوعه غالبا إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم) لا يعلم بمستقبلات أمره من أجل وغيره، إلا أن يعلمه الله، وقد صرح بذلك في قوله تعالى: * (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما * فعل * بى ولا بكم * ولا * كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء) * قال نحوه ابن عطية وغيره، إلى طائفة منهم لأن منهم من مات، ومنهم من تاب وندم، ومنهم من تخلف لعذر صحيح. فالطائفة هنا الذين خلصوا في النفاق وثبتوا عليه هكذا قيل. وإذا كان الضمير في منهم عائدا على المخلفين الذين خرجوا وكرهوا أن يجاهدوا، فالذي يظهر أن ذكر الطائفة هو لأجل أن منهم من مات. قال ابن عطية: ويشبه أن تكون هذه الطائفة قد حتم عليها بالموافاة على النفاق، وعينوا للنبي صلى الله عليه وسلم)، وإلا فكيف يترتب على أن يصلي على موتاهم إن لم يعينهم. وقوله: وما تواوهم فاسقون، نص في موافاتهم. ومما يؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم) عينهم لحذيفة بن اليمان، وكانت الصحابة إذا رأوا حذيفة تأخر عن الصلاة على جنازة رجل تأخروا هم عنها. وروي عن حذيفة أنه قال يوما: بقي من المنافقين كذا وكذا. وقال له عمرو بن الخطاب: أنشدك الله أنا منهم؟ فقال: لا والله، لا أمنت منها أحدا بعدك. وأمر الله نبيه أن يقول لهم: لن تخرجوا معي هو عقوبة لهم وإظهار لدنائة منزلتهم وسوء حالهم، وهذا هو المقصود في قصة ثعلبة بن حاطب التي تقدمت في الامتناع من أخذ صدقته، ولا خزي أعظم من أن يكون إنسان قدر فضه الشرع ورده كالجمل الأجرب.
قال الزمخشري: فاستأذنوك للخروج يعني إلى غزوة بعد غزوة تبوك، وكان إسقاطهم من ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم الذي علم الله تعالى أنه لم يدعهم إليه إلا النفاق، بخلاف غيرهم من المحلفين انتهى. وانتقل بالنفي من الشاق عليهم وهو الخروج إلى الغزاة، إلى الأشق وهو قتال العدو، لأنه عظم الجهاد وثمرة الخروج وموضع بارقة السيوف التي تحتها الجنة، ثم علل انتفاء الخروج والقتال بكونهم رضوا بالقعود أول مرة، ورضاهم ناشىء عن نفاقهم وكفرهم وخداعهم وعصيانهم أمر الله في قوله: * (انفروا خفافا وثقالا) * وقالوا هم: لا تنفروا في الحر، فعلل بالمسبب وهو الرضا الناشئ عن السبب وهو النفاق. وأولمرة هي الخرجة إلى غزوة تبوك، ومرة مصدر كأنه قيل: أو خرجة دعيتم إليها، لأنها لم تكن أول خرجة خرجها الرسول للغزاة، فلا بد من تقييدها، إذ الأولية تقتضي السبق. وقيل: التقدير أول خرجة خرجها الرسول لغزوة الروم بنفسه. وقيل: أول مرة قبل الاستئذان. وقال أبو البقاء: أول مرة ظرف، ونعني ظرف زمان، وهو بعيد.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): مرة نكرة وضعت موضع المرات للتفضيل، فلم ذكر اسم التفضيل المضاف إليها