* وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع * ولأن الجزع لا طائل تحته، أو يعلم أنه لا مرد لما فات ولا لما وقع. والظاهر في معنى الوجه هنا جهة الله أي: الجهة التي تقصد عنده تعالى بالحسنات لتقع عليها المثوبة، كما تقول: خرج زيد لوجه كذا. ونبه على هاتين الخصلتين: العبادة البدنية، والعبادة المالية، إذ هما عمود الدين، والصبر عليهما أعظم صبر لتكرر الصلوات، ولتعلق النفوس بحب تحصيل المال. ونبه على حالتي الإنفاق، فالسر أفضل حالات إنفاق التطوع كما جاء في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها والعلانية أفضل حالات إنفاق الفروض، لأن الإظهار فيها أفضل. وقال الزمخشري: مما رزقناهم من الحلال، لأن الحرام لا يكون رزقا، ولا يسند إلى الله انتهى. وهذا على طريق المعتزلة.
وللسلف هنا في الصبر أقوال متقاربة. قال ابن عباس: صبروا على أمر الله. وقال أبو عمران الجوني: صبروا على دينهم. وقال عطاء: صبروا على الرزايا والمصائب. وقال ابن زيد: صبروا على الطاعة وعن المعصية، ويدرؤون يدفعون. قال ابن زيد: الشر بالخير. وقال قتادة: ردوا عليهم معروفا كقوله: * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * وقال الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وقال القتبي: إذا سفه عليهم حلموا، وقال ابن جبير: يدفعون المنكر بالمعروف. وقال ابن كيسان: إذا أذنبوا تابوا، وإذا هربوا أنابوا ليدفعوا عن أنفسهم بالتوبة معرة الذنب، وهذا المعنى قول ابن عباس في رواية الضحاك عنه. وقيل: يدفعون بلا إله إلا الله شركهم. وقيل: بالسلام غوائل الناس. وقيل: من رأوا منه مكروها بالتي هي أحسن. وقيل: بالصالح من العمل السئ، ويؤيده ما روي في الحديث أن معاذا قال: أوصني يا رسول الله فقال: * (إذا * عملت * سيئة * فاعمل * إلى) * السر بالسر والعلانية بالعلانية. وقيل العذاب: بالصدقة. وقيل: إذا هموا بالسيئة فكروا ورجعوا عنها واستغفروا. وهذه الأقوال كلها على سبيل المجاز. وبالجملة لا يكافئون الشر بالشر كما قال الشاعر:
* يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة * ومن إساءة أهل السوء إحسانا وهذا بخلاف خلق الجاهلية كما قال:
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا وإن لا يبد بالظلم يظلم. وروي أن هذه الآية نزلت في الأنصار، ثم هي عامة بعد ذلك في كل من اتصف بهذه الصفات. وعقبي الدار: عاقبة الدنيا، وهي الجنة، لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا وموضع أهلها. وجنات عدن بدل من عقبى الدار، ويحتمل أن يراد عقبى دار الآخرة لدار الدنيا في العقبى الحسنة في الدار الآخرة هي لهم، ويحتمل أن كون جنات خبر ابتداء محذوف. وقرأ الجمهور: جنات، والنخعي: جنة بالإفراد. وروي عن ابن كثير ، وأبي عمرو: يدخلونها مبنيا للمفعول. وقرأ ابن أبي عبلة: ومن صلح بضم اللام، والجمهور بفتحها، وهو أفصح. وقرأ عيسى الثقفي: وذريتهم بالتوحيد، والجمهور بالجمع. وقرأ ابن يعمر: فنعم بفتح النون وكسر العين وهي الأصل، كما قال الراجز:
نعم الساعون في اليوم الشطر