تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٨
وقيل: في ليلة نصف شعبان آجال الموتى، فتمحى ناس من ديوان الأحياء ويثبتون في ديوان الأموات. وقال قيس بن عباد: في العاشر من رجب يمحو الله ما يشاء ويثبت. وقال ابن عباس: والضحاك: يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة، لأنهم مأمورون بكتب كل قول وفعل، ويثبت غيره. وقيل: يمحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة، ويثبت إيمانهم وطاعتهم. وقيل: يمحو بعض الخلائق ويثبت بعضا من الأناسي، وسائر الحيوان والنبات والأشجار وصفاتها وأحوالها. وقال الزمخشري: يمحو الله ما يشاء، ينسخ ما يستصوب نسخه، ويثبت به له ما يرى المصلحة في اتباعه، أو يتركه غير منسوخ، والكلام في نحو هذا واسع المجال انتهى. وهو وقول: قتادة، وابن جبير، وابن زيد قالوا: يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه. وقال مجاهد: يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، إلا الحياة والموت والشقاوة والسعادة. وقال الكلبي: يمحو من الرزق ويزيد فيه. وقال ابن جبير أيضا: يغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر. وقال عكرمة: يمحو يعني بالتوبة جميع الذنوب، ويثبت بدل الذنوب حسنات. قال تعالى: * (إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * وقيل: ينسى الحفظة من الذنوب ولا ينسى. وقال الحسن: يمحو الله ما يشاء أجله، ويثبت من يأتي أجله. وقال السدي: يمحو الله يعني القمر، ويثبت يعني الشمس بيانه * (فمحونا ءاية اليل وجعلنا ءاية النهار مبصرة) * الآية.
وقال ابن عباس: إن لله لوحا محفوظا وذكر وصفه في كتاب التحبير، ثم قال: لله تعالى فيه في كل يوم ثلاثمائة وستون نظرة، يثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء. وقال الربيع: هذا في الأرواح حالة النوم يقبضها عند النوم إذا أراد موته فجأة أمسكه، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه، بيانه قوله تعالى: * (الله يتوفى الانفس حين موتها) * الآية. وقال علي بن أبي طالب: يمحو الله ما يشاء من القرون لقوله: * (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون) * ويثبت ما يشاء منها لقوله تعالى: * (ثم أنشأنا من بعدهم قرونا ءاخرين) * فيمحو قرنا ويثبت قرنا. وقال ابن عباس: يمحو يميت الرجل على ضلالة وقد عمل بالطاعة الزمن الطويل، يختمه بالمعصية ويثبت عكسه. وقيل: يمحو الدنيا ويثبت الآخرة. وفي الحديث عن أبي الدرداء: (أنه تعالى يفتح الذكر في ثلاث ساعات بقين من الليل فينظر ما في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء) وقال الغزنوي: ما في اللوح المحفوظ خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة، فيحتمل التبديل وإحاطته الخلق بجميع علم الله تعالى، وما في علمه تعالى من تقدير الأشياء لا يبدل انتهى. وقيل: غير ذلك مما يطول نقله. وقد استدلت الرافضة بقوله: يمحو الله ما يشاء ويثبت، على أن البدء جائز على الله تعالى، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أن الأمر خلاف ما اعتقده، وهذا باطل لأن علمه تعالى من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغيير والتبديل فيه محالا وأما الآية فقد احتملت تلك التأويلات المتقدمة، فليست نصا فيما ادعوه، ولو كانت نصا وجب تأويله.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: ويثبت مخففا من أثبت، وباقي السبعة مثقلا من ثبت. وأما قوله (أم الكتاب) فقال ابن عباس أم الكتاب الذكره وقال أيضا وهو كعب هو علم ما هو خالق وما خلقه عاملون. وقالت فرقة: الحلال والحرام، وهو قول الحسن. وقال الزمخشري: أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ، لأن كل كائن مكتوب فيه انتهى. وما جرى مجرى الأصل للشيء تسميه العرب، أما كقولهم: أم الرأس للدماغ، وأم القرى مكة. وقال ابن عطية: وأصوب ما يفسر به أم الكتاب أنه ديوان الأمور المحدثة التي قد سبق في القضاء أن تبدل وتمحى، أو تثبت. وقال نحوه قتادة: إن جواب الشرط الأول محذوف، وكلام ابن عطية في ما ونون التوكيد. وقال الزمخشري: وإما نرينك، وكيفما دات الرحال أريناك مصارعهم، وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم، أو نتوفينك قبل ذلك، فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة، وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم، فلا يهمنك إعراضهم، ولا تستعجل بعذابهم انتهى. وقال الحوفي
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»