تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٠
إليه من كان على خلاف صفتكم. وقال أبو علي الجبائي: يضل من يشاء عن رحمته وثوابه عقوبة له على كفره، ويهدي إليه من أناب أي: إلى جنته من أناب أي: من تاب. والهدى تعلقه بالمؤمن هو الثواب لأنه يستحقه على إيمانه، وذلك يدل على أنه يضل عن الثواب بالعقاب، لا عن الدين بالكفر، على ما ذهب إليه من خالفنا انتهى. وهي على طريقة الاعتزال.
والضمير في إليه عائد على القرآن، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم). والظاهر أنه عائد على الله تعالى على حذف مضاف أي: إلى دينه وشرعه. وأناب أقبل إلى الحق، وحقيقته دخل في توبة الخير. والذين آمنوا: بدل من أناب. واطمئنان القلوب سكونها بعد الاضطراب من خشيته. وذكر الله ذكر رحمته ومغفرته، أو ذكر دلائله على وحدانيته المزيلة لعلق الشبه. أو تطمئن بالقرآن، لأنه أعظم المعجزات تسكن به القلوب وتنتبه. ثم ذكر الحض على ذكر الله وأنه به تحصل الطمأنينة ترغيبا في الإيمان، والمعنى: أنه بذكره تعالى تطمئن القلوب لا بالآيات المقترحة، بل ربما كفر بعدها، فنزل العذاب كما سلف في بعض الأمم. وجوزوا في الذين أن يكون بدلا من الذين، وبدلا من القلوب على حذف مضاف أي: قلوب الذين، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هم الذين، وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده.
وطوبى: فعل من الطيب، قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها كما قلبت في موسر، واختلفوا في مدلولها: فقال أبو الحسن الهنائي: هي جمع طيبة قالوا في جمع كيسة كوسى، وصيفة صوفي. وفعلى ليست من ألفاظ الجموع، فلعله يعني بها اسم جمع. وقال الجمهور: هي مفرد كبشرى وسقيا ورجعي وعقبى، واختلف القائلون بهذا في معناها. فقال الضحاك: المعنى غبطة لهم. وعنه أيضا: أصبت خيرا. وقال عكرمة: نعمى لهم. وقال ابن عباس: فرح وقرة عين. وقال قتادة: حسنى لهم. وقال النخعي: خير لهم، وعنه أيضا كرامة لهم. وعن سميط بن عجلان: دوام الخير. وهذه أقوال متقاربة، والمعنى العيش الطيب لهم. وعن ابن عباس، وابن جبير: طوبى اسم للجنة بالحبشية. وقيل: بلغة الهند. وقال أبو هريرة، وابن عباس أيضا، ومعتب بن سمي، وعبيد بن عمير، ووهب بن منبه: هي شجرة في الجنة. وروي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) من حديث عتبة بن عبيد السلمي أنه قال. وقد سأله أعرابي: يا رسول الله أفي الجنة فاكهة؟ قال: (نعم فيها شجرة تدعى طوبى) وذكر الحديث. قال القرطبي: الصحيح أنها شجرة للحديث المرفوع حديث عتبة، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي، وذكره أبو عمر في التمهيد والثعلبي. وطوبى: مبتدأ، وخبره لهم. فإن كانت علما لشجرة في الجنة فلا كلام في جواز الابتداء، وإن كانت نكرة فمسوع الابتداء بها ما ذهب إليه سيبويه من أنه ذهب بها مذهب الدعاء كقولهم: سلام عليك، إلا أنه التزم فيه الرفع على الابتداء، فلا تدخل عليه نواسخه هكذا قال: ابن مالك. ويرده أنه قرىء: وحسن مآب بالنصب، قرأه كذلك عيسى الثقفي، وخرج ذلك ثعلب على أنه معطوف على طوبى، وأنها في موضع نصب، وحسن مآب معطوف عليها. قال ثعلب: وطوبى على هذا مصدر كما قالوا: سقيا. وخرجه صاحب اللوامح على النداء قال: بتقدير يا طوبى لهم، ويا حسن مآب. فحسن معطوف على المنادى المضاف في هذه القراءة، فهذا نداء للتحنين والتشويق كما قال: يا أسفي على الفوت والندبة انتهى. ويعني بقوله: معطوف على المنادى المضاف، أن طوبى مضاف للضمير، واللام مقحمة كما أقحمت في قوله: يا بؤس للجهل ضرارا الأقوام، وقول الآخر: يا بؤس للحرب التي، ولذلك سقط التنوين من بؤس وكأنه قيل: يا طوباهم وحسن مآب أي: ما أطيبهم وأحسن مآبهم، كما تقول: يا طيبها ليلة أي: ما أطيبها ليلة. وقرأ بكرة الأعرابي طيبي بكسر الطاء، لتسلم الياء من القلب، وإن كان
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»