تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨١
وزنها فعلي، كما كسروا في بيض لتسلم الياء، وإن كان وزنها فعلا كحمر. وقال الزمخشري: أصبت خيرا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع كقولك: طيبا لك، وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك، والقراءة في قوله: وحسن مآب بالرفع والنصب بذلك على محلها، واللام في لهم للبيان مثلها في سقيا لك. وقرئ: وحسن مآب بفتح النون، ورفع مآب. فحسن فعل ماض أصله وحسن نقلت ضمة سينه إلى الحاء، وهذا جائز في فعل إذا كان للمدح أو الذم كما قالوا: حسن ذا أدبا.
* (كذلك أرسلناك فى أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذى أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمان قل هو ربى لا إلاه إلا هو عليه توكلت وإليه متاب) *: قال قتادة، وابن جريج، ومقاتل: لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية وقد كتب بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو: ما يعرف الرحمن إلا مسيلمة، فنزلت. وقيل: سمع أبو جهل الرسول صلى الله عليه وسلم) يقول: يا رحمن، فقال: إن محمدا ينهانا عن عبادة آلهة وهو يدعو إلهين فنزلت. ذكر هذا علي بن أحمد النيسابوري، وعن ابن عباس: لما قيل لكفار قريش اسجدوا للرحمن قالوا: وما الرحمن فنزلت. قال الزمخشري مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعني: أرسلناك آرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات انتهى. ولم يتقدم إرسال يشار إليه بذلك، إلا إن كان يفهم من المعنى فيمكن ذلك. وقال الحسن: كإرسالنا الرسل أرسلناك، فذلك إشارة إلى إرساله الرسل. وقيل: الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله: * (قل إن الله يضل من يشاء ويهدى إليه من أناب) * كما أنفذ الله هذا كذلك أرسلناك. وقال ابن عطية: والذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل من يشاء ويهدي بالآيات المقترحة، فكذلك فعلنا في هذه الأمة أرسلناك إليهم بوحي، لا بالآيات المقترحة، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء انتهى. وقال الحوفي: الكاف للتشبيه في موضع نصب أي: كفعلنا الهداية والإضلال، والإشارة بذلك إلى ما وصف به نفسه من أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء. وقال أبو البقاء: كذلك التقدير الأمر كذلك. قد خلت من قبلها أمم أي: تقدمتها أمم كثيرة، والمعنى: أرسلت فيهم رسل فمثل ذلك الإرسال أرسلناك. ودل هذا المحذوف الذي يقتضيه المعنى على أن الإشارة بذلك إلى إرساله تعالى الرسل كما قال الحسن، ولتتلو أي: لتقرأ عليهم الكتاب المنزل عليك. وعلة الإرسال هي الإبلاغ للدين الذي أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم) وهم يكفرون أي: وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن جملة حالية أي: أرسلناك في أمة رحمة لها معنى وهم، يكفرون بي أي: وحال هؤلاء أنهم يكفرون بالرحمن بالبليغ الرحمة. والظاهر أن الضمير في قوله: وهم، عائد على أمة المرسل إليهم الرسول إعادة على المعنى، إذ لو أعاد على اللفظ لكان التركيب وهي تكفر، والمعنى: أرسلناك إليهم وهم يدينون دين الكفر، فهدى الله بك من أراد هدايته. وقيل: يعود على الذين قالوا: * (لولا أنزل عليه ءاية من ربه) * وقيل: يعود على أمة وعلى أمم، والمعنى: الإخبار بأن الأمم السالفة أرسلت إليهم الرسل، وهو الرحمة الموجبة لشكر الله على إنعامه عليهم ببعثة الرسول والإيمان به. قل: هو أي الرحمن الذي كفروا به هو ربي الواحد المتعال عن الشركاء، عليه توكلت في نصرتي عليكم، وجميع أموري، وإليه مرجعي، فيثبتني على مجاهدتكم.
* (ولو أن قرانا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا أفلم) *: قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: إن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم): سير جبلي مكة فقد ضيقا علينا، واجعل لنا أرضا قطعا غراسا، وأحي لنا آباءنا وأجدادنا، وفلانا وفلانا، فنزلت معلمة أنهم لا يؤمنون ولو كان ذلك كله. ولما ذكر تعالى علة إرساله، وهي تلاوة ما أوحاه إليه، ذكر تعظيم هذا الموحى وأنه لو كان قرآنا تسير به الجبال عن مقارها، أو تقطع به
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»