والدين، فسالت أودية يريد القلوب، أي: أخذ النبيل بحظه، والبليد بحظه، وهذا قول لا يصح والله أعلم عن ابن عباس، لأنه ينحو إلى أقوال أصحاب الرموز، وقد تمسك به الغزالي وأهل تلك الطريق، ولا توجيه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير علة تدعو إلى ذلك، والله الموفق للصواب. وإن صح هذا القول عن ابن عباس، فإنما قصد أن قوله تعالى: * (كذالك يضرب الله الحق والباطل) *، معناه: الحق الذي يتقرر في القلوب، والباطل الذي يعتريها أيضا انتهى. والماء المطر. ونكر أودية لأن المطر إنما يدل على طريق المناوبة، فتسيل بعض الأودية دون بعض. ومعنى بقدرها أي: على قدر صغرها وكبرها، أو بما قدر لها من الماء بسبب نفع الممطور عليهم لا ضررهم. ألا ترى إلى قوله: وأما ما ينفع الناس، فالمطر مثل للحق، فهو نافع خال من الضرر.
وقرأ الجمهور: بقدرها بفتح الدال. وقرأ الأشهب العقيلي، وزيد بن علي، وأبو عمرو في رواية: بسكونها. وقال الحوفي: بقدرها متعلق بسالت. وقال أبو البقاء: بقدرها صلة لا ودية، وعرف السيل لأنه عنى به ما فهم من الفعل، والذي يتضمنه الفعل من المصدر هو نكرة، فإذا عاد عليه الظاهر كان معرفة، كما كان لو صرح به نكرة، ولذلك تضمن إذا عاد ما دل عليه الفعل من المصدر نحو: من كذب كان شرا له أي: كان الكذب شرا له، ولو جاء هنا مضمرا لكان جائزا عائدا على المصدر المفهوم من فسالت. واحتمل بمعنى حمل، جاء فيه افتعل بمعنى المجرد كاقتدر وقدر. ورابيا منتفخا عاليا على وجه السبيل، ومنه الربوة. ومما توقدون عليه أي: ومن الأشياء الت توقدون عليها وهي الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والقصدير، ونحوها مما يوقد عليه وله زبد. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص، وابن محيصن، ومجاهد، وطلحة، ويحيى، وأهل الكوفة: يوقدون بالياء على الغيبة، أي يوقد الناس. وقرأ باقي السبعة والحسن، وأبو جعفر، والأعرج، وشيبة: بالتاء على الخطاب وعليه متعلق بتوقدون وفي النار. قال أبو علي، والحوفي: متعلق بتقدون. وقال أبو علي: قد يوقد على كل شيء وليس في النار كقوله: * (فأوقد لى ياهامان ياهامان على الطين) * فذلك البناء الذي أمر به يوقد عليه، وليس في النار، لكن يصيبه لهبها. وقال مكي وغيره: في النار متعلق بمحذوف تقديره: كائنا، أو ثابتا. ومنعوا تعليقه بقوله: توقدون، لأنهم زعموا أنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بتوقدون يتضمن تخصيص حال من حال أخرى انتهى. ولو قلنا: إنه لا يوقد على شيء إلا وهو في النار، لجاز أن يكون متعلقا بتوقدون، ويجوز ذلك على سبيل التوكيد كما قالوا في قوله: يطير بجناحيه، وانتصب ابتغاء على أنه مفعول من أجله، وشروط المفعول من أجله موجودة فيه. وقال الحوفي: هو مصدر في موضع الحال أي: مبتغين حلية، وفي ذكر متعلق ابتغاء تنبيه على منفعة ما يوقدونعليه. والحلية ما يعمل للنساء مما يتزين به من الذهب والفضة، والمتاع ما يتخذ من الحديد والنحاس وما أشبههما من الآلات التي هي قوام العيش كالأواني، والمساحي، وآلات الحرب، وقطاعات الأشجار، والسكك، وغير ذلك. وزبد مرفوع بالابتداء، وخبره في قوله: ومما توقدون. ومن الظاهر أنها للتبعيض، لأن ذلك الزبد هو بعض ما يوقد عليه من تلك المعادن. وأجاز الزمخشري أن تكون من لابتداء الغاية أي: ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء، والمماثلة في كونهما يتولدان من الأوساخ والأكدار، والحق والباطل على حذف مضاف أي: مثل الحق والباطل. شبه الحق بما يخلص من جرم هذه المعادن من الأقذار والخبث ودوام الانتفاع بها، وشبه الباطل بالزبد والمجتمع من الخبث والأقذار، ولا بقاء له ولا قيمة. وفصل ما سبق ذكره مما ينتفع به ومن الزبد، فبدأ بالزبد إذ هو المتأخر في قوله: زبدا رابيا، وفي قوله: زبد مثله، ولكون الباطل كناية عنه وصف متأخر، وهي طريقة فصيحة يبدأ في التقسيم بما ذكر آخرا