القرب والتأنيس. وهنا ترتب للأشقياء الإبعاد من رحمة الله. وسوء الدار أي: الدار السوء وهي النار، وسوء عاقبة الدار، وتكون دار الدنيا. ولما كان كثير من الأشقياء فتحت عليهم نعم الدنيا ولذاتها أخبر تعالى أنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، والكفر والإيمان لا تعلق لهما بالرزق. قد يقدر على المؤمن ليعظم أجره، ويبسط للكافر إملاء لازدياد آثامه. ويقدر مقابل يبسط، وهو التضييق من قوله: * (ومن قدر عليه رزقه) * وعليه يحمل * (فظن أن لن نقدر عليه) * وقول ذلك الذي أحرق وذري في البحر: * (لئن * قدر * الله على) * أي لئن ضيق. وقيل: يقدر يعطي بقدر الكفاية. وقرأ زيد بن علي: ويقدر بضم الدال، حيث وقع والضمير في فرحوا عائد على الذين ينقضون، وهو استئناف إخبار عن جهلهم بما أوتوا من بسطة الدنيا عليهم، وفرحهم فرح بطر وبسط لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم، ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة بفضل الله به، واستجهلهم بهذا الفرح إذ هو فرح بما يزول عن قريب وينقضي. ويبعد قول من ذهب إلى أنه معطوف على صلات. والذين ينقضون أي: يفسدون في الأرض، وفرحوا بالحياة الدنيا. وفي الكلام تقديم وتأخير. ومتاع: معناه ذاهب مضمحل يستمتع به قليلا ثم يفنى. كما قال الشاعر:
* تمتع يا مشعث إن شيئا * سبقت به الممات هو المتاع * وقال آخر:
* أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للإنسان * وقال آخر:
* تمتع من الدنيا فإنك فان * من النشوات والنسأ الحسان * قال الزمخشري: خفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئا نذرا، يتمتع به كعجالة الراكب، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو غير ذلك انتهى. وهذا مني قول الحسن: أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم) أن الحياة الدنيا في جنب ما أعد الله لأوليائه في الآخرة نذر ليس يتمتع به كعجالة الراكب، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو غير ذلك. وقال ابن عباس: زاد كزاد الرعي. وقال مجاهد: قليل ذاهب من متع النهار إذا ارتفع فلا بد له من زوال.
* (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه ءاية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدى إليه من أناب) *: نزلت: ويقول الذين كفروا، في مشركي مكة، طلبوا مثل آيات الأنبياء. والملتمس ذلك هو عبد الله بن أبي أمية وأصحابه، رد تعالى على مقترحي الآيات من كفار قريش كسقوط السماء عليهم كسفا. وقولهم: سير علينا الأخشبين، واجعل لنا البطاح محارث ومغترسا كالأردن، وأحي لنا مضينا وأسلافنا، ولم تجر عادة الله في الإتيان بالآيات المقترحة إلا إذا أراد هلاك مقترحها، فرد تعالى عليهم بأن نزول الآية لا يقتضي ضرورة إيمانكم وهداكم، لأن الأمر بيد الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
وقال الزممشري: (فإن قلت): كيف يطابق قولهم: لولا أنزل عليه آية من ربه، قل إن الله يضل من يشاء؟ (قلت): هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم يؤتها نبي قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها وجعلوه كأنه لم ينزل عليه قط كان موضع التعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم إن الله يضل من يشاء، فمن كان على صفتكم من التصميم وشدة التسليم في الكفر فلا سبيل إلى اهتدائكم وإن أنزلت كل آية، ويهدي