تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٧٠
والإيصال. قال ابن جني: هو مصدر أصل أي: دخل في الأصيل كما تقول: أصبح أي دخل في الاصباح. ولما كان السؤال عن أمر واضح لا يمكن أن يدفع منه أحد، كان جوابه من السائل. فكان السبق إليه أفصح في الاحتجاج إليهم وأسرع في قطعهم في انتظار الجواب منهم، إذ لا جواب إلا هذا الذي وقعت المبادرة إليه، كما قال تعالى: * (قل من يرزقكم من * السماوات والارض * قل الله) * ويبعد ما قال مكي من أنهم جهلوا الجواب فطلبوه من جهة السائل فأعلمهم به السائل، لأنه قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق * السماوات والارض ليقولن الله) * فإذا كانوا مقرين بأن منشىء السماوات والأرض ومخترعها هو الله، فكيف يقال: بأنهم جهلوا الجواب فطلبوه من السائل؟ وقال الزمخشري: قل الله حكاية لاعتراقهم تأكيد له عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السماوات والأرض؟ لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، كقوله * (قل من رب * السماوات * السبع ورب العرش العظيم * سيقولون * الله) * وهذا كما يقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟ فإذا قال: هذا قولي، قال: هذا قولك، فيحكي إقراره تقريرا عليه واستئنافا منه، ثم يقول له: فيلزمك على هذا القولكيت وكيت. ويجوز أن يكون تلقينا أي: إن كفوا عن الجواب فلقنهم، فإنهم يتلقنونه ولا يقدرونن أن ينكروه. وقال الكرماني: قل يا محمد للكفار من رب السماوات والأرض؟ استفهام تقرير واستنطاق بأنهم يقولون الله، فإذا قالوها قل: الله، أي هو كما قلتم. وقيل: فإن جابوك وإلا قل: الله، إذ لا جواب غير هذا انتهى. وهو تلخيص القولين اللذين قالهما الزمخشري. وقال البغوي: روي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا: أجب أنت، فأمره الله فقال: قل الله انتهى. واستفهم بقوله: قل أفاتخذتم؟ على سبيل التوبيخ والإنكار، أي: بعد أن علمتم أنه تعالى هو رب السماوات والأرض تتخذون من دونه أولياء وتتركونه، فجعلتم ما كان يجب أن يكون سببا للتوحيد من علمكم وإقراركم سببا للإشراك، ثم وصف تلك الأولياء بصفة العجز وهي كونها لا تملك لا نفسها نفعا ولا ضرا، ومن بهذه المثابة فكيف يملك لهم نفعا أو ضرا؟ ثم مثل ذلك حالة الكافر والمؤمن، ثم حالة الكفر والإيمان، وأبرز ذلك في صورة الاستفهام للذي يبادر المخاطب إلى الجواب فيه من غير فكر ولا روية بقوله: قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ ثم انتقل إلى الاستفهام عن الوصفين القائمين بالكافر وهو: الظلمات، وبالمؤمن وهو النور. وتقدم الكلام في جمع الظلمات وإفراد النور في سورة البقرة.
وقرأ الأخوان وأبو بكر: أم هل يستوي بالياء، والجمهور بالتاء، أم في قوله: أم، هل منقطعة تتقدر ببل؟ والهمزة على المختار، والتقدير: بل أهل تستوي؟ وهل وإن نابت عن همزة الاستفهام في كثير من المواضع فقد جامعتها في قول الشاعر:
أهل رأونا بوادي القفر ذي الاكم وإذا جامعتها مع التصريح بها فلأن تجامعها مع أم المتضمنة لها أولى، وهل بعد أم المنقطعة يجوز أن يؤتى بها لشبهها بالأدوات الإسمية التي للاستفهام في عدم الأصالة فيه كقوله: * (أم من * يملك السمع والابصار) * ويجوز أن لا يؤتى بها بعد أم المنقطعة، لأن أم تتضمنها، فلم يكونوا ليجمعوا بين أم والهمزة لذلك. وقال الشاعر في عدم الإتيان بهل بعد أم والإتيان بها:
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»