* هل ما علمت وما استودعت مكتوم * أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم * * أم هل كبير بكى لم يقض عبرته * إثر الأحبة يوم البين مشكوم * ثم انتقل من خطابهم إلى الإخبار عنهم غائبا إعراضا عنهم، وتنبيها على توبيخهم في جعل شركاء لله، وتعجيبا منهم، وإنكارا عليهم. وتضمن هذا الاستفهام التهكم بهم، لأنه معلوم بالضرورة أن هذه الأصنام وما اتخذوها من دون الله أولياء، وجعلوهم شركاء لا تقدر على خلق ذرة، ولا إيجاد شيء البتة، والمعنى: أن هؤلاء الشركاء هم خالقون شيئا حت يستحقوا العبادة، وجعلهم شركاء لله أي: جعلوا لله شركاء موصوفين بالخلق مثل خلق الله، فتشابه ذلك عليهم، فيعبدونهم. ومعلوم أنهم لا يخلقون شيئا وهم يخلقون فكيف يشركون في العبادة؟ * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * ثم أمره تعالى فقال: قل الله خالق كل شيء أي: موجد الأشياء كلها معبوداتهم وغيرها، وهم أيضا مقرون بذلك، * (ولئن سألتهم من خلق * السماوات والارض ليقولن الله) * واحتمل أن يكون قوله: وهو الواحد القهار، داخلا تحت الأمر بقل، فيكون قد أمر أن يخبر بأنه تعالى هو الواحد المفرد بالألوهية، القهار الذي جميع الأشياء تحت قدرته وقهره. واحتمل أن يكون استئناف إخبار فيه يقال بهذين الوصفين: الوحدانية، والقهر. فهو تعالى لا يغالب، وما سواه مقهور مربوب له عز وجل.
* (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه فى النار ابتغاء حلية أو) *: قال الزمخشري: هذا مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه، كما ضرب الأعمى والبصير، والظلمات والنور، مثلا لهما. فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية للناس فيحيون به وينفعهم أنواع المنافع، وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلى منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفة، ولو لم يكن إلا الحديد الذي فيه البأس الشديد لكفى فيه، وإن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهرا يثبت الماء في منافعه، وتبقى آثاره في العيون والبئار والجبوب والثمار التي تنبت به مما يدخر ويكثر، وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة. وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله وانسلاخه عن المنفعة بزبد السيل الذي يرمي به، وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أذيب. وقال ابن عطية: صدر هذه الآية تنبيه على قدرة الله تعالى، وإقامة الحجة على الكفرة به، فلما فرغ ذكر ذلك جعله مثالا للحق والباطل، والإيمان والكفر، والشك في الشرع واليقين به انتهى. وقيل: هذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن، والقلوب، والحق، والباطل. فالماء مثل القرآن لما فيه من حياة القلوب، وبقاء الشرع والدين والأودية مثل للقلوب، ومعنى بقدرها على سعة القلوب وضيقها، فمنها ما انتقع به فحفظه ووعاه وتدبر فيه، فظهرت ثمرته وأدرك تأويله ومعناه، ومنها دون ذلك بطبقة، ومنها دونه بطبقات. والزبد مثل الشكوك والشبه وإنكار الكافرين إنه كلام الله، ودفعهم إياه بالباطل. والماء الصافي المنتفع به مثل الحق انتهى. وفي الحديث الصحيح ما يؤيد هذا التأويل وهو قوله صلى الله عليه وسلم): (مثل ما بعثت به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا وكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها طائفة أجادب فأمسكت الماء فانتفع الناس به وسقوا ورعوا وكانت منها قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثلما جئت به من العلم والهدى ومثل من لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) وقال ابن عطية: وروي عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى أنزل من السماء ماء، يريد به الشرع