تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٦٧
وقيل: يعود على الرعد. والملائكة أعوانه جعل الله له ذلك فهم خائفون خاضعون طائعون له. والرعد وإن كان مندرجا تحت لفظ الملائكة، فهو تعميم بعد تخصيص انتهى. وهو قول ضعيف. ومن مفعول فيصيب، وهو من باب الإعمال، أعمل فيه الثاني إذ يرسل يطلب من وفيصيب يطلبه، ولو أعمل الأول لكان التركيب: ويرسل الصواعق فيصيب بها على من يشاء، لكن جاء على الكثير في لسان العرب المختار عند البصريين وهو إعمال الثاني. ومفعول يشاء محذوف تقديره: من يشاء إصابته. وفي الخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم) بعث إلى جبار من العرب ليسلم فقال: أخبرني عن إله محمد؟ أمن لؤلؤ هو أم من ذهب؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه. وقال مجاهد: ناظر يهودي الرسول صلى الله عليه وسلم)، فبينا هو كذلك نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه، فنزلت الآية فيه. وقال ابن جريج: سبب نزولها لها قصة أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل، وذكر قصتهما المشهورة، مضمونها أن عامرا توعد الرسول صلى الله عليه وسلم) إذا لم يجبه إلى ما طلب، وأنه وأربدا ما الفتك به، فعصمه الله تعالى، وأصاب عامرا بغدة فمات غريبا، وأريد بصاعقة فقتلته، ولأخيه لبيد فيه عدة مرات. منها قوله:
* أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد * * فجعني البريق والصواعق بالفا * رس يوم الكريهة النجد * وهذه الضلالات الأربع التي وصلت بها الذي تدل على القدرة الباهرة، والتصرف التام في العالم العلوي والسفلي، فالمتصف بها ينبغي أن لا يجادل فيه، وأن يعتقد ما هو عليه من الصفات العلوية، والضمير في وهم يجادلون، عائد على الكفار المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم)، المنكرين الآيات، يجادلون في قدرة الله على البعث وإعادة الخلق بقولهم: * (من يحى العظام وهى رميم) * وفي وحدانيته باتخاذ الشركاء والأنداد. ونسبة التوالد إليه بقولهم: الملائكة بنات الله تعالى والمعنى: أنه عز وجل متصف بهذه الأوصاف، ومع ذلك رتبوا عليها غير مقتضاها من المجادلة فيه وفي أوصافه تعالى، وكان مقتضاها التسليم لما جاءت به الأنبياء. وقيل: وهم يجادلون حال من مفعول يشاء أي: فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم كما جرى لليهودي. وكذلك الجبار، ولا ربد. وهو شديد المحال، جملة حالية من الجلالة. وقرأ الجمهور: المحال بكسر الميم. فعن ابن عباس: المحال العداوة، وعنه الحقد. وعن علي: الأخذ، وعن مجاهد: القوة. وعن قطرب: الغضب. وعن الحسن: الهلاك بالمحل، وهو القحط. وقرأ الضحاك والأعرج: المحال بفتح الميم. فعن ابن عباس: الحول. وعن عبيدة: الحيلة. يقال: المحال والمحالة وهي الحيلة، ومنه قول العرب في مثل: المرء يعجز لا المحالة. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى شديد العقاب، ويكون مثلا في القوة والقدرة، كما جاء: فساعد الله أشد، وموساه أحد، لأن الحيوان إذا اشتد غاية كان منعوتا بشدة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره. ألا ترى إلى قولهم: فقرته الفواقر، وذلك أن الفقار عمود الظهر وقوامسه. والضمير في له عائد على الله تعالى، ودعوة الحق قال ابن عباس: دعوة الحق لا إله إلا الله، وما كان من الشريعة في معناها. وقال علي بن أبي طالب، دعوة الحق التوحيد. وقال الحسن: إن الله هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق. وقيل: دعوة الحق دعاؤه عند الخوف، فإنه لا يدعي فيه إلا هو، كما قال: * (ضل من تدعون إلا إياه) * قال الماوردي: وهو أشبه بسياق الآية. وقيل: دعوة الطلب الحق أي: مرجو
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»