والكاف في موضع نصب أي: مثل استجابة، واستجابة مضافة في التقدير إلى باسط، وهي إضافة المصدر إلى المفعول. وفاعل المصدر محذوف تقديره: كإجابة الماء من يبسط كفيه إليه، فلما حذف أظهر في قوله: إلى الماء، ولو كان ملفوظا به لعاد الضمير إليه، فكان يكون التركيب كفيه إليه. هذا الذي يقدر من كلام الزمخشري في هذا التشبيه، وتبعه أبو البقاء. وقال ابن عطية: ومعنى الكلام الذي يدعونهم الكفار إلى حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون، ثم مثل تعالى مثالا لإجابتهم بالذي يبسط كفيه إلى الماء ويشير إليه بالإقبال، فهو لا يبلغ فمه أبدا، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع انتهى. وفاعل ليبلغ ضمير الماء، وليبلغ متعلق بباسط، وما هو أي: وما الماء يبالغه، أي: يبالغ الفم. ويجوز أن يكون هو ضمير الفم، والهاء في ببالغه للماء أي: وما الفم ببالغ الماء، لأن كلا منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحالة. وقرئ: كباسط كفيه بتنوين باسط. وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي: في حيرة، أو في اضمحلال، لأنه لا يجدي شيئا ولا يفيد، فقد ضل ذلك الدعاء عنهم كما ضل المدعون. قال تعالى: * (أينما * كنتم تدعون من دون الله) * قالوا ضلوا. قال الزمخشري: إلا في ضياع لا منفعة فيه، لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم، وإن دعوا الآلهة لم نستطع إجابتهم. وقال ابن عباس: أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاؤهم.
* (ولله يسجد من فى * السماوات والارض * طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال * قل من رب * السماوات والارض * قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوى الاعمى والبصير أم) *: إن كان السجود بمعنى الخضوع والانقياد، فمن عمومها ينقاد كلهم إلى ما أراده تعالى بهم شاؤوا أو أبوا، وتنقاد له تعالى ظلالهم حيث هي على مشيئته من الامتداد والتقلص، والفيء والزوال، وإن كان السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة: وهو وضع الجبهة بالمكان الذي يكون فيه الواضع، فيكون عاما مخصوصا إذ يخرج منه من لا يسجد، ويكون قد عبر بالطوع عن سجود الملائكة والمؤمنين، وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام كما قاله قتادة: فيسجد كرها وإما نفاقا، أو يكون الكره أول حاله، فتستمر عليه الصفة وإن صح إيمانه بعد. وقيل: طوعا لا يثقل عليه السجود، وكرها يثقل عليه، لأن إلزام التكاليف مشقة. وقيل: من طالت مدة إسلامه، فألف السجود. وكرها من بدا بالإسلام إلى أن يألف السجود قاله ابن الأنباري. وقيل: هو عام على تقدير كون السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة، وذلك بأن يكون يسجد صيغته صيغة الخبر، ومدلولة أثرا. أو يكون معناه: يجب أن يسجد له كل من في السماوات والأرض، فعبر عن الوجوب بالوقوع. والذي يظهر أن مساق هذه الآية إنما هو أن العالم كله مقهور لله تعالى، خاضع لما أراد منه مقصور على مشيئته، لا يكون منه إلا ما قدر تعالى. فالذين تعبدونهم كائنا ما كانوا داخلون تحت القهر، ويدل على هذا المعنى تشريك الظلال في السجود. والظلال ليست أشخاصا يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة، ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى يصرفها على ما أراد، إذ هي من العالم. فالعالم جواهره وأعراضه داخلة تحت إرادته كما قال تعالى: * (أو لم * يروا إلى ما خلق الله من شىء * يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمآئل سجدا لله) * وكون الظلال يراد بها الأشخاص كما قال بعضهم ضعيف، وأضعف منه قول ابن الأنباري: إنه تعالى جعل للظلال عقولا تسجد بها وتخشع بها، كما جعل للجبال أفهاما حتى خاطبت وخوطبت، لأن الجبل يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة، وأما الظل فعرض لا يتصور قيام الحياة به، وإنما معنى سجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب كما أراد تعالى. وقال الفراء: الظل مصدر يعني في الأصل، ثم أطلق على الخيال الذي يظهر للجرم، وطوله بسبب انحطاط الشمس، وقصره بسبب ارتفاعها، فهو منقاد لله تعالى في طوله وقصره وميله من جانب إلى جانب. وخص هذان الوقتان بالذكر لأن الظلال إنما تعظم وتكثر فيهما، وتقدم شرح الغدو والآصال في آخر الأعراف. روي أن الكافر إذا سجد لصنمه كان ظله يسجد لله حينئذ.
وقرأ أبو مجلز: