تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٦٣
بمن اثنان، وحمل على المعنى في تقسيم خبر المبتدأ الذي هو هو، وعلى لفظ من في إفراد هو. والمعنى: سواء اللذان هما مستخف بالليل والسارب بالنهار، هو رجل واحد يستخفي بالليل ويسرب بالنهار، وليرى نصرفه في الناس. قال ابن عطية: فهذا قسم واحد، جعل الله نهار راحته. والمعنى: هذا والذي أمره كله واحد بريء من الريب، سواء في اطلاع الله تعالى على الكل. ويؤيد هذا التأويل عطف السارب دون تكرار من، ولا يأتي حذفها إلا في الشعر. وتحتمل الآية أن تتضمن ثلاثة أصناف. فالذي يسر طرف، والذي يجهر طرف مضاد للأول، والثالث متوسط متلون يعصي بالليل مستخفيا ويظهر البراءة بالنهار انتهى. وقيل: ومن هو مستخف بالليل بظلمته، يريد إخفاء عمله فيه كما قال: أزورهم وسواد الليل يشفع لي. وقال:
وكم لظلام الليل عندي من يد والظاهر عود الضمير في له على من، كأنه قيل لمن أسر، ومن جهر، ومن استخفى، ومن سرب: معقبات. وقال ابن عباس: هو عائد على من قوله: ومن هو مستخف، وكذلك في باقي الضمائر التي في الآية.
قال ابن عطية: والمعقبات على هذا حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه، قال: والآية على هذا في الرؤساء الكافرين. واختار هذا القول الطبري، وهو قول عكرمة وجماعة. وقال الضحاك: هو السلطان المحرس من أمر الله انتهى. وحذف لا، لا في الجواب قسم بعيد. قال المهدوي: ومن جعل المعقبات الحرس فالمعنى: يحفظونه من الله على ظنه وزعمه. وقيل: الضمير في له عائد على الله تعالى أي: لله معقبات ملائكة من بين يدي العبد ومن خلفه، والمعقبات على هذا الملائكة الحفظة على العباد وأعمالهم، والحفظة لهم أيضا. وروي فيه حديث عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم)، وهو قول مجاهد والنخعي. وقيل: الضمير في له عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم) وإن لم يجر له ذكر قريب، وقد جرى ذكره في قوله: * (ويقولون لولا أنزل عليه ءاية من ربه) * والمعنى: أن الله تعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم) حفظة من متمردي الجن والإنس. قال أبو زيد: الآية في النبي صلى الله عليه وسلم) نزلت في حفظ الله له من أربد بن قيس، وعامر بن الطفيل، من القصة التي سنشير إليها بعد في ذكر الصواعق. والقول الأول في عود الضمير هو الأولى الذي ينبغي أن يحمل عليه وعليه يفسر. ويقول: لما تقدم أن من أسر القول ومن جهر به، ومن استخفى بالليل وسرب بالنهار، مستوفي علم الله تعالى لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، ذكر أيضا أن لذلك المذكور معقبات: جماعات من الملائكة تعقب في حفظه وكلاءته. ومعقب: وزنه مفعل، من عقب الرجل إذا جاء على عقب الآخر، لأن بعضهم يعقب بعضا، أو لأنهم يعقبون ما يتكلمون به فيكتبونه. وقال الزمخشري: والأصل معتقبات، فأدغمت التاء في القاف كقوله: * (وجاء المعذرون) * يعني المعتذرون. ويجوز معقبات بكسر العين، ولم يقرأ به انتهى. وهذا وهم فاحش، لا تدغم التاء في القاف، ولا القاف في التاء، لا من كلمة ولا من كلمتين. وقد نص التصريفيون على أن القاف والكاف يدغم كل منهما في الآخر، ولا يدغمان في غيرهما، ولا يدغم غيرهما فيهما. وأما تشبيهه بقوله: وجاء
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»